فيصل الشهري

التربع في عقل الداعشي

الخميس - 30 يونيو 2016

Thu - 30 Jun 2016

مع كل هذا القتل والسفك والاسترخاص للأرواح والزهد بالنفس البشرية، أصبح الولوج إلى عقلية «الداعشي» واستقراء الطريقة التي يفكر بها ضرورة ملحة، من أجل ديننا وأوطاننا وأرواحنا.

الداعشي الذي نصدره نحن وتشكل لبنته الأولى طريقة تعليمنا وتعاطينا مع الأسئلة الفقهية.

فعلى مدار حياة الداعشي يدرس ما لا يقل عن 360 حصة فقه في التعليم العام - في حسبة سريعة باعتبار أن الطالب يدرس 24 فصلا دراسيا، وكل فصل دراسي يمتد لـ 15 أسبوعا وبمعدل حصة واحدة في الأسبوع - وخلال هذه الحصص يتعلم الطالب فقه التلقي والاستسلام والتسليم ولا يتعلم فقه السؤال والتفكير والتدبر والتأمل، وسبحانه تعالى يقول: (أفلا يتدبرون)، (أفلا تتفكرون).

هذه الرسائل الربانية السامية هي المنقذ والمخرج، فبعد أن تم تخدير عقلية الداعشي على مدى سنوات عاش فيها متلقيا، يتقبل ويتشرب كل ما يعرض عليه دون منحه فرصة السؤال غير تلك الأسئلة المعلبة التي ترافقها الإجابة.

وهنا أقترح على وزارة التعليم أن تدرج فقـرة بنهايـة كل درس بعنوان: اسأل .. دون تقييد أو تكميم - وهـذا قد يوقـع وزارة التعليـم في حـرج لكنها هي مالكـة الحل الأكبـر وهـذا الحـرج يكمن في أنهـا تملك معلميـن بلا تعليـم أو بالأصـح بلا أدوات تعلـم، معلمين يـرون أنفسهـم صورة للحقيقـة التي تشكلوا بهـا ويريدون تشكيـل المجتمـع بها، فيلجمون كل محاولات الاستفسار والخوض في الإجابـات سعيا لتفسيرهـا وبلوغ كنههـا، معلميـن لا يحترمون الآخر المختلف، هـذه الإشكاليـة العظيمـة ستصعب مهمة التعليـم فليـس كل معلـم في الظاهـر معلمـا عندمـا يغلق باب حجرة الصف، وبهذا نشأ جيـل هش إلى حـد ما - فلدينا نماذج مشرقة - يقبل كل ما يعرض عليه وكأنـه الحق المبين. حتى وإن قيـل له إن الجنـة في نحـر أمـك وأبيـك فهو وعـاء يستقبـل وينفـذ دون تمحيـص وتفكيـك.

فبغياب الميتافيزيقيا والسؤال في السؤال غابت العقول وتعطلت إلا عن التتبع، فلنلتفت قليلا إلى نتاج تغيب الأسئلة الوجودية الكبرى من أن تتناول في المدارس، النتيجة أن أكثر من أربعة هاشتاقات إلحادية تصل إلى الترند في شهر رمضان! فيها من التشكيك والإرباك والتجديف ما الله به عليم، تجرف كل محروم من التفكير إلى الهاوية والسبب أننا لم نشبعها وهي صغيرة فيكبر الشخص وأسئلته تكبر معه، وهذا النتاج الطبيعي عندما تحرم دراسة الفلسفة - مع الحفاظ على اجتهاد الوزارة في الحديث في أحد المناهج على استحياء عن سقراط ورفاقه من الفلاسفة - فلو كان لدينا حصة للفلسفة لما كنا اليوم بحاجة إلى كل هذه البكائية. فبكل بساطة المعلومة ستنقل من مرتبة التسليم إلى مرتبة التشكيك والتفكيك والسؤال وهذا ما نحتاجه حتى لا يبتلعنا الحوت.

أيضا تغييـب الاختلاف من المناهـج في كل الحقائـق ورسم الحقائق بوجهة واحدة ولون واحد وعدم احترام المختلف، فما تعلمناه داخل أروقة المدرسة أننا نحن فقط المسلمين وغيرنا إن قبلناهم مسلمين فعلى مضض وبدرجة أقل فقها وعلما وحرصا على الدين منا، حتى أصبحنا نرخص صلاتهم بجانب صلاتنا.

لماذا لم نتعلم أن عدد تكبيرات صلاة الجنازة على اختلاف؟ وألف ألف مسألة أخرى فيها اختلاف؟ وهنا ينطلق السؤال من القمقم لماذا نعاجل أمورنا وجديدنا والمختلف عنا بالتحريم والتكفير والزندقة؟ ببساطة وتفاهة لأننا نحن أصحاب الحق المبين وسفراؤه.

هذه الأرضيات الخصبة سهلت مهمة الاختطاف ومهدت الطريق لأصحاب الأنفس الجائعة والحالمة بهرطقة الخلافة أن تستحوذ على عقول شبابنا بعد أن تمكنا من تسفيهها بامتياز بأيدينا جميعا بالتساوي - البيت، المسجد، المدرسة، وسائل التواصل،... - وحتى ننتصر على فكر الداعشي علينا جميعا إشاعة حق السؤال ورفع الحرج عن الاختلاف وإيقاف مسلسل التسليم.