أحمد القثمي

ما هكذا تورد الإبل

الأربعاء - 20 مايو 2020

Wed - 20 May 2020

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا يا سعد تورد الإبل

كان لمالك بن مناة أخ اسمه سعد، وقد عرف عن مالك قدرته على رعي الإبل وإيرادها للماء، وفي يوم من الأيام أعرس مالك وأوكل مهمة رعي الإبل لأخيه سعد، وعاد سعد من المرعى بالإبل وكان قد أخفق في رعايتها، فلم يحسن مرعاها في المكان الذي لطالما ذهبت إليه مع راعيها وعادت شبعى.

لنتوقف عند سعد، لم حصل هذا؟ ما الذي أبليته في أمرها؟ ألم يكن لديك علم بما وليت عليه، أم إنه فاق قدرتك؟ يا هذا قد اشتملت شملتك وذهبت للمرعى تتمطى، كيف لك أن ترعى بهذا الرداء المقصب؟ هل فرحت بشملتك أم حداثة عهدك بما وليت عليه؟

الإنسان إذا لم يتقن صنعة ما أو لم يفلح بإدارة مهمة عمل أو مشروع ذي قيمة "حيوية" ليزيد من رصيده المعرفي المهني التراكمي - ولا نكران أبدا له أو عليه من زيادة رصيده المالي بطبيعة الحال، فحتما ولزاما سوف يخفق لأنه لا مناص من ذلك المصير، ليس لعيب في مشروعه ولا بسبب التوقيت، ولكن لما لديه من رغبة في الاستمرار بالقصور في المعرفة والاكتفاء بخبرته المتجلية، وعدم استشارة الناصحين الصادقين له فيما هو مقدم عليه.

وفجأة استجدت عليه آليات العمل، فلم يعلم من أين يبدأ وكيف يصل إلى النتائج التي يسعى إليها، أو - لنكن أكثر حدة - لما حدثت به نفسه وراودته في أحلام العظمة.. أقصد أحلام اليقظة، فليس أبدا من الطبيعي أن أكون قد عملت بمجال الرافعات والمقاولات وأجد منها خيرا ومالا وفيرا، وبعدها أتجه إاى العمل في مجال الورد والفل والنرجس، هكذا تتبدد وتضيع أموالك بجهالة العظمة التي أغلقت حدود "دماغك" داخلها، إنها عظمة التعالي والتكبر يتبعها بالتوازي استغفال أناسك وأصدقائك الصادقين من الجلاس، مكملا طريقك في المراوغة على القوانين بحجج عفا عليها الزمن والدهر منذ قديم عهد، قال القدامى "من سره زمن ساءته أزمان"، لقد كابرت فتجبرت وعلى خلق الله تعاظمت فظلمت، فكنت تنظر من من برجك العالي وتقول: هيهات أن يقدر أحد حتى على خدش نقش تمثالي.

إن في إدارة الأعمال دراسات وتخصصات متعددة ذات مراحل تدرس للوصول لأعلى المراتب العلمية والعملية على حد سواء، وكذلك إدارة البشر وإدارة شؤونهم وتوزيع المهام كل حسب مجاله، فلا تعطى أبدا خبط عشواء، مع الصلاحيات اللازمة لسير العمل بالحرص على عدم المساس بشخصياتهم والتصرف غير اللائق معهم قولا وعملا، سواء بالتقليل من شأنهم بالتحقير أو استصغار أعمالهم حتى إن كانت فيما بينك وبينهم "هاتفيا"، فإنك تهدم بمعولك المتصدع روح تفاعلهم لإيمانهم بعملهم وتفانيهم للإبداع بالصدق بالإخلاص.

أما جانب حقوقهم المالية مع المزايا المعنوية فإذا قصرت بها ولم تستطع إدارتها بالوصول لحلول تتفادى تفاقمها فإنك مخطئ، فلا بيئة عمل خلاقة معطاءة ترتقي بفكر الولاء لديهم، ولا أوفيتهم حقهم المستحق لتستند وتتكئ عليه لاستمرار العمل بهم ومعهم.

ولا ننكر ولا نقلل فيما توارثناه لأعمال الآباء والأجداد في حنكتهم في إدارة تجارتهم وتصريف شؤون حياتهم مع زوجاتهم وأبنائهم، فلا يخفى علينا جميعا أنهم كانوا يحرصون على تولية أعمالهم لأبنائهم بما يتناسب مع قدراتهم لتنمية مهاراتهم وصقلها بالتجارب، حسبما أتيح لهم من فرص شحيحة بالزمن الغابر، العامر بالنفوس الصافية، ولم يكن أن يستأثروا بواحد عن الآخر، وإنما ليدفعوا بهم للترابط والتكاتف ليزداد تعاضدهم فيما بينهم وتقوى شوكتهم على من عاداهم.

أخيرا وليس آخرا وللحديث حلقات أخرى، نسلط لساننا بحلو كلامنا لمن أخفق وقصر بتجارته بسبب إدارته الهوجاء العرجاء، وبدأ يتجاوز بأصغر أساسيات العمل الطبيعية لحب الأنا بصبغة العمى، لمن استفحل شرا بعميق الضرر لمن يعملون تحت مظلة تجارته بكبرى شركاته، لمختلف أعماله التي لم يسبق لها مثيل، فلم يكترث لمصيرهم ومصير من يعولون، دعنا نسألك: هل كان إخفاقك عمدا مع سبق الإصرار والترصد؟ أم أتتك الرياح بما لم تشته أشرعتك البالية على سفينتك وضربتك بشواطئ من الصخور العالية.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال