محمد العطية

جدوى التدريب وجدارة المدرب

الأربعاء - 20 مايو 2020

Wed - 20 May 2020

تعددت المراكز والمعاهد التي تقدم الدورات التدريبية التطويرية بجميع أنواعها ومسمياتها، وفي خضم هذا الكم الهائل من الدورات المطروحة، أصبحت قائمة الدورات طويلة وأماكن تنفيذها تتوزع على خارطة العالم، بل أكثر من ذلك أنه يمكن تفصيل الدورة والمكان والزمان والمدرب على حسب الرغبة.

وقصة المدرب نفسه عبارة عن سلسلة من الألقاب، تبدأ بلقب: مدرب مستشار، معتمد، خبير، دكتور، بروفيسور، دولي، عضو الأكاديمية البريطانية والأمريكية والكندية إلى سيرة تدريبية لم يترك شهادة لم يحصل عليها ولا دورة لم يقم بتدريبها!

لا شك أنه يستفاد من الدورات التدريبية التطويرية في التنمية البشرية وزيادة المعرفة والخبرة وتطوير الجانب الإداري والفني والارتقاء به لدى الأفراد المستقلين والموظفين، وهي أحد أهم الحوافز لمن هم على رأس العمل والتي يستفاد منها في احتساب نقاط الترقية، أو البدل المادي، وذلك مقابل كل مدة تدريبية معينة.

ولكن في الواقع طبيعة هذا التدريب للموظفين لا يعترف بالنوعية والتخصص أو المسار التدريبي، وإنما بكمية السلة التدريبية فقط، كما أن حجم الاحتياج التدريبي على مستوى الأفراد عال جدا، لذا وجدت بعض المنظمات أن في ذلك فرصة ربحية لطرح كثير من الدورات التطويرية التي تتمحور حول تطوير الذات والأنماط الشخصية والمشاكل المجتمعية والأسرية والنفسية، وقد استغل بعض المدربين عدم وجود ضبط معياري مُحكم للمحتوى والاختصاص، وأصبح ينتقل من منظمة إلى أخرى لجني الأرباح.

وبما أن فترة الدورات التطويرية عبارة عن أيام والربحية واضحة للعيان، فقد دخلت على الخط منظمات أخرى لاستغلال هذه الفرصة والكسب المادي السريع، بل تطور الأمر من تقديم الدورات التطويرية إلى تقديم الدورات المهنية.

لقد تضخم مجال التدريب بكثير من الدورات التدريبية التطويرية، وانبثق عن ذلك سوق مواز للمسوقين والمسوقات والمشرفين ومصممي الحقائب التدريبية ومدربين من جميع الجنسيات لأي دورة تخطر على البال، حتى إن الأجنبي يمارس نشاط التدريب كعمل إضافي.

وفي محاولة جذب المتدربين الذين هم على رأس العمل، تعرض بعض مراكز التدريب فرصا تدريبية خارج المملكة من دبي مرورا بكوالالمبور ولندن إلى لوس أنجلوس، لتقدم برنامجا تدريبيا سياحيا متواضعا من خلال مدرب أجنبي لا يُعلم عنه سوى ما كتبه عنه مركز التدريب، لنفاجأ بمخرج هزيل لا يحقق الفائدة المرجوة، ولا يتوازى مع التكلفة المادية للدورة والمصاريف السفرية، وتكلفة الانتداب لهذه الدورة التي تحولت إلى جولة سياحية، وهذا لا يحقق كفاءة الإنفاق.

إن الجمهور المستهدف بالتدريب إما داخلي أو خارجي، ولكن بعض المنظمات أدارت ظهرها لجمهورها الداخلي وذهبت تجري خلف الربح المادي والظهور الإعلامي تحت مسمى خدمة المجتمع، والتي لا شك أنها واجبة في حالة أن تكون ضمن نطاق عملها، لذا من الضرورة التنظيمية التركيز على نطاق العمل المطلوب وعدم السماح بالزحف خارج النطاق، والذي يحدث نتيجة رغبات وآراء نابعة من الأشخاص، وبالتالي يجدون أنفسهم بعد مرور الوقت أنهم يعملون خارج نطاق العمل المحدد في المهام التنظيمية.

كما أن المنظمة التي ترغب تدريب منسوبيها ملزمة باختيار العناصر المناسبة للتدريب من موظفيها واختيار المادة التدريبية ذات العلاقة بطبيعة العمل، والتأكد من كفاءة المدرب وجدارته وعدم التفريط في ذلك لكي تتحقق الفائدة المرجوة من التدريب.

على الرغم من أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني تُرخص لمراكز ومعاهد التدريب، كما صممت منصة الكترونية لتمكين التواصل بين المنشآت التدريبية والمتدربين، وكذلك من مهام هيئة تقويم التعليم والتدريب تقويم أداء مؤسسات التدريب واعتمادها؛ إلا أن بيئة التدريب غير منظمة، وتحتاج إلى فكر إداري جديد بعيد عن العمل التقليدي.

إن التنظيم الشامل لبيئة التدريب بشكل عام يحتاج إلى إعادة النظر في الواقع الحالي، لكي تكون هذه البيئة محكومة ومنظمة وذات معايير عالية، تحافظ على جودة المنتج وتزيد الموثوقية وتراقب قيمة المخرج بالشراكة مع الجهات المقدمة للتدريب والمدربين لتحقيق الاستدامة الاقتصادية، وذلك من خلال إنشاء هيئة مستقلة تعمل تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، على غرار الهيئات المختصة التي أنشئت أخيرا أو تكليف إحدى الهيئات القائمة بمهام قطاع التدريب والمدربين.

وخلاصة القول: إن من الأهمية بمكان تنظيم وتطوير قطاع التدريب لخدمة بيئة التدريب والمدربين والمتدربين، وتطبق أفضل الممارسات العالمية.

mattiah8@