شروق المحمادي

المعادلات الموازِنة بين العمل والترفيه (المفهوم)

الاحد - 10 مايو 2020

Sun - 10 May 2020

منذ طفولتي وأنا أهوى اختراع الألعاب وابتكارها، ولازمني هذا الاهتمام حتى المرحلة الجامعية، ففي يوم من الأيام دخلت مكتبة الكلية ولمحت بين أكوام الكتب مؤلفا بعنوان (علم نفس اللعب)، فهرعت أتصفحه ولم أشبع منه اطلاعا، فرحت أقرأ فيما أتيح لي من مراجع بعد ذاك.

حتى قررت تقديم دورتي التدريبية الأولى (فن الألعاب التربوية) التي هدفت من ورائها لتغيير قناعات المتدربات حول (اللعب والترفيه) من تهميشها إلى رفع الوعي بأهميتها في الحياة والتعليم والتربية.

ولا أزال أحمل شعلة هذا المفهوم إلى اليوم أحاول نشره ما استطعت لذلك سبيلا، والمقالة التي بين أيديكم إحدى هذه المحاولات التي أسعى من ورائها لتبيين أهمية الترفيه وساعات الاسترخاء في العمل والإنجاز عبر استعراض مفاهيمها في الجزء الأول ثم توضيح كيفية تطبيقها في الجزء الثاني من المقال.

مفاهيم مغلوطة: تطرف الجدية وهامشية المرح لقد تطرفنا في تقديس (العمل) وتعنصرنا في تبليس (الترفيه)، ولم نكتف بذلك، بل وتنمرنا عليهما أيضا!

مما دفعني لرصد أهم ثلاثة مفاهيم مغلوطة حول الترفيه والعمل: إدارة الوقت أن تكون مشغولا دائما للأسرة والمجتمع والتعليم دور بارز في تلقين هذا المفهوم حتى صار معتقدا صعب الاجتثاث والتخلي عنه.

فعلى سبيل المثال الوالدان لا يسأمان تكرار العبارة:

لا تظل فارغا ومرتاحا هكذا! قم وجد لك عملا! وكثيرا ما ردد مدربو التنمية البشرية على أسماعنا:

أشغل نفسك بأهدافك ولا تبق فارغا سبهللا. لكن ما صحة هذا المفهوم الذي ورثناه عن مجتمعنا؟

في مقالة بعنوان "الفرق بين المشغولين والمنتجين" يبين لاري كيم أن المشغولين يعملون طوال الوقت ولا يستريحون أبدا، معتقدين بهذا أنهم سيحققون أعلى النتائج. بينما المنتجون يحرصون على أخذ فترات من الراحة أثناء الإنجاز وهذا هو سرّ إنتاجيتهم، وبالتالي نجاحهم.

تتفق الدراسات في أنه لا فرق بين من يعمل 25 ساعة أسبوعيا ومن يعمل 8 ساعات أسبوعية، لكن الفرق هو في طريقة أداء المهام، حيث أظهرت دراسة قامت بها شركة دروغيوم على موظفيها تبين أن موظفيها الأكثر إنتاجية يقتطعون 17 دقيقة لأجل الترويح عن النفس بعد كل 52 دقيقة من العمل.

أما باقي موظفيها الأقل إنتاجية فهم يعملون لمدة 8 ساعات متواصلة. إذن إدارة الوقت لا تعني أن تظل مشغولا تملأ جدولك بالمهام المتواصلة، بل المفهوم الصحيح أن يتخلل وقت العمل فترات متقطعة من الراحة.

المرح مضيعة للوقت قبل 14 قرنا هجرية اعتقد أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الضحك واللعب نقيضا الإيمان العميق!

فقال له رسول الله مصححا معتقده الخاطئ "يا حنظلة ساعة وساعة" ورددها ثلاث مرات.

ونستنتج من هذا الحديث أن رسول الله قد أقر المرح الذي كان عليه حنظلة كما أقر بالعبادة والعمل الجاد.

ثم نصحه بالاتزان بينهما بمقدار (ساعة) لكل منهما، فساعة للعبادة والعمل وساعة للمرح والترويح.

يثبت العلم اليوم أن المرح يزيد من نشاط الذهن ويشحذ القدرات الإبداعية كما أنه يزيد من صفاء الذهن بما يؤدي لتحسين الإنتاجية والعمل.

إذن المفهوم الصحيح أن المرح استثمار للزمن لا مضيعة للوقت، والسر يكمن في كونه يجدد النشاط والحيوية قبل أن تباشر عملك من جديد.

أما الجدية المتواصلة ترهق العقل وتذيب الفؤاد ولا تدفع بك إلى سماء الإنجاز.

الهمة العالية لا تنخفض أبدا يقصد بالهمة: النية وقصد الإرادة لفعل شيء ما. وأحيانا تسمى بالرغبة أو الحافز، وعلى كل فإن الهمة متغيرة ومتقلبة، نسبية لا مطلقة، لذا فمن الطبيعي تراجعها وتأرجحها من حين لآخر.

ومن أهم أسباب تراخي الهمة، مواصلة العمل دون راحة تحصل عليها مما يستنزف كل الطاقة والنشاط الذي بداخلك ليدع روحك خاوية الإرادة، فارغة الهمة.

ولهذا ابتكر ستيفن كوفي حلا لمشكلة تراجع الهمة عبر العادة التي أسماها (اشحذ المنشار) ويقصد بها أن تشحذ عزيمتك وإرادتك بالهوايات والأنشطة الترويحية أثناء تحقيق الإنجاز والأهداف الحياتية. ويشبه ستيفن كوفي من لا يقتطع راحة أثناء العمل، بمن يقطع شجرة خضراء في بطء شديد والسبب أنه مشغول بالقطع ولا يجد وقتا لشحذ منشاره وحدّ أدواته! ولو أنه حدها وشحذها لأنجز مهامه بشكل أسرع!

إذن المفهوم الصحيح هو (شحذ المنشار) للحفاظ على قوة الإرادة وعلو الهمة. ولكن كيف نرفه عن أنفسنا أثناء العمل؟ وكم دقيقة نرتاح فيها من عناء العمل؟ وغيرها من الأسئلة تجدون إجاباتها في المقالة القادمة.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال