مولنبيك وشبيهاتها.. في الإقصاء الاجتماعي
الخميس - 30 يونيو 2016
Thu - 30 Jun 2016
«لم نلتفت إلى الأسئلة التي ينبغي طرحها. لم ننتبه لأولئك الذين يعيشون في الظل، تركناهم لوحدهم يعيشون في الظلام». هذه الحسرات جزء من تصريحات عمدة بلدية مولنبيك البلجيكية، تعليقا على حال بلدتها المكتظة بالمهاجرين المسلمين المتطرفين وتحولها إلى «حاضنة للإرهاب». ستجد اسم هذه البلدة في صحف اليوم التالي بعد أغلب الجرائم الإرهابية في أوروبا، فالعديد من منفذي هذه الهجمات قد ترعرعوا في أحياء مولنبيك المعدمة، حيث لا يوجد حتى جهاز صراف آلي واحد وتنعدم مقومات التنمية، وحيث تصل نسبة البطالة إلى 40 % في فئة الشباب. بيئة مضطربة بالجرائم ومنغمسة في تجارة المخدرات. من هذه الأحياء المهمشة يسافر أعلى عدد من المقاتلين الأوروبيين للانضمام إلى الجماعات الإرهابية في سوريا. «هذه المعضلة ستبقى هنا لأجيال عديدة»، هكذا علق أحد العاملين في جهاز الأمن البلجيكي، وهو حقيقة يقدم وصفا دقيقا لظاهرة الإقصاء الاجتماعي social exlusion.
هذه الظاهرة تنتج عندما يتم حرمان فئة معينة من حقوقها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية. تقصى هذه الفئة ويتم حرمانها من أبسط حقوقها المدنية، إما بشكل نظامي كما يحدث للبدون في الكويت أو المرأة في السعودية، أو بشكل عفوي وضمني كما يحدث للسود في أمريكا. هذا الإقصاء يحرم المنتمين لهذه الفئات من حقوق بديهية كفرص التعليم والتوظيف والعلاج وحرية التنقل. ففي المشهد المحلي مثلا، ما زالت المرأة مقيدة الحركة تخضع لوصاية ممنهجة في تعاملاتها اليومية مما يجعلها «أقلية»، ليس بمقاييس الأعداد بالطبع ولكن بحالتها الاجتماعية. هذا القيد يشكل إقصاء يتجسد في مظاهر عديدة كاشتراط المحرم وموافقة ولي الأمر، وأشدها حبس حرية التنقل، ولا تفلت من هذا الإقصاء إلا من حالفها الحظ بامتيازات واستثناءات معينة.
ولا تقتصر تبعات هذه الإقصائية على الفرد نفسه، بل تنسحب على أجيال المستقبل في سلسلة ودائرة من الضيم المورث جيلا بعد جيل. فمعدلات الجريمة والإخفاق الدراسي والفقر والتخلف بين المراهقين السود الآن، من الممكن إرجاعها إلى البيئة القاسية التي نموا فيها، فقد تجد والدهم حرم من الحصول على وظيفة جيدة لأنه لم يكمل دراسته الجامعية بسبب تجاهل الحكومة وتقاعسها عن التدخل لانتشال المجتمع الأسود من مظاهر الفقر والتمييز، تماما كسيناريو مولنبيك البلجيكية! وهكذا تستمر سلسلة الإقصاء والحرمان في ذاك المجتمع، حتى يحدث أمر (استثنائي) لأحدهم يسمح له بالانتقال الاجتماعي social mobility ليقفز بعائلته من براثن الفقر إلى حال أفضل. هذه القفزة لا يتمكن منها إلا الشديد القوي (أو المحظوظ كما أسلفنا)، والنجاح في هذه الوثبة له أثر ضئيل ينحصر على الفرد ودائرته المحيطة فقط، كالمشاهير السود في كرة السلة والموسيقى، الذين حسنوا من مستواهم المعيشي وقفزوا السلم الاجتماعي، ولكن بقي حال مجتمعهم كما هو.
وبعد كل هذا الإقصاء سيكون من فرط السذاجة لو عالجنا وقيمنا ملف الأقليات من خلال التركيز على السطح فقط ودون الغوص عميقا نحو الأساس. العلاج الجذري هو الوسيلة الأكثر فاعلية للإصلاح، فبدلا من تشذيب كل ورقة لوحدها، فإنه من النباهة وحسن التدبير لو يتم إصلاح التربة بأكملها، فما يحدث في مجتمعات أوروبا وأمريكا والخليج في تعاملهم مع الأقليات، يشبه ذاك الفلاح الذي يقضي نهاره في فرز الثمار الفاسدة دون الانتباه لتربة الحقل المتسممة.
دائما وأبدا، لا يحق لنا انتقاد المخرجات طالما المدخلات هزيلة، وطالما لم نتحرك لتوفير المنظومة المناسبة والعادلة للجميع. هذه مسؤولية الحكومات أولا قبل غيرها. أترككم مع هذا القول الخالد «ينشئون المرأة على العبودية والتفاهة، ثم يقولون: ألم نقل لكم؟ المرأة لا تصلح للمعالي».
هذه الظاهرة تنتج عندما يتم حرمان فئة معينة من حقوقها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية. تقصى هذه الفئة ويتم حرمانها من أبسط حقوقها المدنية، إما بشكل نظامي كما يحدث للبدون في الكويت أو المرأة في السعودية، أو بشكل عفوي وضمني كما يحدث للسود في أمريكا. هذا الإقصاء يحرم المنتمين لهذه الفئات من حقوق بديهية كفرص التعليم والتوظيف والعلاج وحرية التنقل. ففي المشهد المحلي مثلا، ما زالت المرأة مقيدة الحركة تخضع لوصاية ممنهجة في تعاملاتها اليومية مما يجعلها «أقلية»، ليس بمقاييس الأعداد بالطبع ولكن بحالتها الاجتماعية. هذا القيد يشكل إقصاء يتجسد في مظاهر عديدة كاشتراط المحرم وموافقة ولي الأمر، وأشدها حبس حرية التنقل، ولا تفلت من هذا الإقصاء إلا من حالفها الحظ بامتيازات واستثناءات معينة.
ولا تقتصر تبعات هذه الإقصائية على الفرد نفسه، بل تنسحب على أجيال المستقبل في سلسلة ودائرة من الضيم المورث جيلا بعد جيل. فمعدلات الجريمة والإخفاق الدراسي والفقر والتخلف بين المراهقين السود الآن، من الممكن إرجاعها إلى البيئة القاسية التي نموا فيها، فقد تجد والدهم حرم من الحصول على وظيفة جيدة لأنه لم يكمل دراسته الجامعية بسبب تجاهل الحكومة وتقاعسها عن التدخل لانتشال المجتمع الأسود من مظاهر الفقر والتمييز، تماما كسيناريو مولنبيك البلجيكية! وهكذا تستمر سلسلة الإقصاء والحرمان في ذاك المجتمع، حتى يحدث أمر (استثنائي) لأحدهم يسمح له بالانتقال الاجتماعي social mobility ليقفز بعائلته من براثن الفقر إلى حال أفضل. هذه القفزة لا يتمكن منها إلا الشديد القوي (أو المحظوظ كما أسلفنا)، والنجاح في هذه الوثبة له أثر ضئيل ينحصر على الفرد ودائرته المحيطة فقط، كالمشاهير السود في كرة السلة والموسيقى، الذين حسنوا من مستواهم المعيشي وقفزوا السلم الاجتماعي، ولكن بقي حال مجتمعهم كما هو.
وبعد كل هذا الإقصاء سيكون من فرط السذاجة لو عالجنا وقيمنا ملف الأقليات من خلال التركيز على السطح فقط ودون الغوص عميقا نحو الأساس. العلاج الجذري هو الوسيلة الأكثر فاعلية للإصلاح، فبدلا من تشذيب كل ورقة لوحدها، فإنه من النباهة وحسن التدبير لو يتم إصلاح التربة بأكملها، فما يحدث في مجتمعات أوروبا وأمريكا والخليج في تعاملهم مع الأقليات، يشبه ذاك الفلاح الذي يقضي نهاره في فرز الثمار الفاسدة دون الانتباه لتربة الحقل المتسممة.
دائما وأبدا، لا يحق لنا انتقاد المخرجات طالما المدخلات هزيلة، وطالما لم نتحرك لتوفير المنظومة المناسبة والعادلة للجميع. هذه مسؤولية الحكومات أولا قبل غيرها. أترككم مع هذا القول الخالد «ينشئون المرأة على العبودية والتفاهة، ثم يقولون: ألم نقل لكم؟ المرأة لا تصلح للمعالي».