فاطمة جعفر آل هليل

هل ستحقق التكنولوجيا حلم البشرية في السعادة الأبدية؟

الاحد - 03 مايو 2020

Sun - 03 May 2020

أغمض عينيك واسترخ قليلا، تفكر في هذا الكون الشاسع، ترى ما هو الشيء الذي ينقصك لتصبح سعيدا جدا؟ البعض سيقول: مال كثير، والبعض يرى السعادة في الصحة كفاقدها، والبعض يرى السعادة في المنصب والجاه والشهرة. يا ترى هل من الممكن أن نحقق كل هذه الأمور باستخدام التكنولوجيا الحديثة ونصل فعلا لدرجة السعادة التي نطمح جميعا للوصول إليها؟

حلم السعادة هذا ليس بالأمر المستجد على هذه الكرة الأرضية فقبل نحو 2500 عام فائتة عمل العلماء والباحثون والفلاسفة على هذا الأمر بالتحديد، سعوا بكل ما يمتلكون من جهد وطاقة وإمكانات لتحقيق السعادة والبحث عنها وكشف حقيقتها، فكانت بداية أبحاثهم حول إدراك حقيقة السعادة ثم انتقلوا لخطوة فهم تأثير السعادة على أدمغتنا، ليستطيعوا أن يصلوا للسر وراء شعور الإنسان بالسعادة.

ما هي السعادة؟

تعددت معاني السعادة عند الإنسان بتعدد رغباته واختلافها فالطالب يراها في تخرجه والمريض في عافيته والفقير في غناه، بل إن السعادة تختلف عند ذات الشخص باختلاف الظروف والأحوال.

لكن لو أردنا الحديث عن السعادة من وجهة نظر العلماء فقد عرفوا السعادة على أنها الشعور النفسي الذي يحدث بعد تحقق رغبة معينة مطلوبة، وقد طرح الفيلسوف Robert Nozick فكرة ذكية أطلق عليها اسم فكرة التجربة أو The Experience Machine، هذه الفكرة تفترض وجود آلة يمكن وضع الإنسان فيها ووصل جسده في عالم افتراضي، يستطيع فيه أن يحقق كل رغباته ويصل للسعادة التي يرغب بها دون أن يشعر أو يدرك أنه يعيش في عالم افتراضي لا واقعي. هذه الفكرة مقاربة لفكرة العالم الافتراضي اليوم لكن الفرق هو أن هدف الجهاز هو الوصول إلى السعادة وتحقيق الرغبات حتى لو لم يكن ذلك واقعا.

نشرت هذه الفكرة بين الناس ليرى الفيلسوف مدى قابلية العالم لخوض هذه المغامرة والبدء في العمل على هذا الجهاز العجيب الذي سيغير العالم، لكن الفيلسوف فوجئ من ردة الفعل، حيث كانت النتيجة العظمى هي رفض هذه الفكرة كون الحياة لا تقتصر على المتعة فقط الناتجة من تحقيق الرغبات، بل تحتوي كذلك على مجموعة من الحقائق التي يجب تقبلها حتى بمرها، وكذلك العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تكون في هذا العالم الواقعي لا الافتراضي.

كيف يمكنني أن أكون سعيدا في حياتي؟

لنفترض أن العلماء استطاعوا كشف أسرار السعادة، واستطاعوا معرفة كل التغييرات التي تحدث في الجسم نتيجة الشعور بالسعادة واستطاعوا الوصول إلى الجين المسؤول عن السعادة في الإنسان، ففصلوه ودرسوه وأجروا عليه مجموعة من التجارب التي تجعل صاحب هذا الجين يشعر بالسعادة المتواصلة الأبدية، فكيف ستكون حياتنا يا ترى؟ لربما تتساءل: هل هذا الأمر ممكن؟ من الناحية المنطقية النظرية لا يوجد أي شيء يمكن أن يعوق هذه العملية التي تعتبر شبيهة نوعا ما بتحديد لون عيون الجنين عبر التلاعب في جيناته.

لكن وللأسف الشديد حتى هذه اللحظة لم يتمكن العلماء من تحديد الجين المسؤول عن سعادة الإنسان، لعل ذلك يحدث قريبا وتكون التكنولوجيا فعلا استطاعت منح الإنسان الشعور بالسعادة واقعا، لا أن يقتصر منحها للسعادة على الحصول على جهاز جديد أو برنامج جديد، حيث يكون تأثيرها حينئذ فوريا يخبو مع مرور الزمن.