خديجة محمد بابكر

أثر الكلمة

الأربعاء - 29 أبريل 2020

Wed - 29 Apr 2020

تصور أن كلمة قد تكون سببا في إسعاد شخص وصناعة يوم مليء بالطاقة والحياة، وكلمة أخرى قادرة على أن تهدم شخصا وتحطم أملا، وبين صناعة وهدم نجد أن لطبيعة الكلمة وطريقة قولها أثرا بالغا على الأنفس مهما ادعينا القوة وعدم الاكتراث لا يمكن أن ننكر السعادة المصاحبة لأبسط كلمات التحفيز والثناء، وعلى العكس تماما فقد تهتز الثقة وتتعكر الروح من كلمة قيلت دون حساب واستقرت ككومة من اللهب تحرق كل جميل في دواخلنا، فوقع الكلمة أحيانا قد يكون أشد قوة من الأفعال، حيث إن بعض الأشخاص قد يروق لهم المتحدث اللبق الذي ينظم الجمل ويصفصف الكلمات ويأخذ عقولهم ويعيدها ويحلق بفكرهم هنا وهناك دون حسبان، فهو يعرف تماما كيف يعزف على أوتار عاطفة المستمع، بل قد يجذبه لصفه إن كان في الأمر جدال أو نزاع ويحسم الموضوع لصالحه، فالأثر العظيم للكلمة يلامس القلوب قبل المسامع.

وفي الجانب الآخر نجد أن الكلمة إذا كانت لغرض التجريح والتقليل من شأن الآخرين فقد يدوم أثرها ويبقى لسنين، محدثا توابع نفسية وآلاما في الروح والفكر بالرغم من حقيقة كونها مجرد جمل وكلمات، وكم من عبارة ألقى بها قائلها دون أن يحسب التبعات فانطلقت كسهم وأحدثت في الروح ثقبا لا يشفى ولا يبرأ، وكم من فكرة مشرقة دفنت وغدت طي نسيان حامليها فقط لأنهم تركوا المجال لتلك الفئة المحطمة التي لا تثمن الأحرف الخارجة منها.

وقد تهدم بيوتا وتشتت أسرا وتحدث قطيعة ويعم الجفاء أيضا بسبب كلمة رمى بها جاهل مستهتر وأوقد نار الفتنة، وشرع حروبا لا مبرر لها بين إخوة وأهل وأصدقاء وأحباب، فكما يخطئ المتحدث حينما يتحدث ويتفوه بكلمات وجمل مدمرة، يتحمل المستمع جزءا كبيرا من الخطأ حينما يصغي لأي متحدث كان، ويسمح له أن يتدخل في أمر لا يعنيه، ويترك له المجال في أن يخوض ويجعل من نفسه محط تأثير عليه ويترك مصيره ومستقبله بين يديه، مع مراعاة أن من الممكن أن يكون هذا الشخص عديم النفع لذاته ويحاول أن يجعل من الآخرين أناسا فارغين مجردين من أحلامهم وطموحاتهم ويصنع حاجزا بكلماته ويعوقهم من الوصول لأهدافهم حسدا منه وكرها من أن يتفوقوا عليه.

وأعداء الإنجاز كثر لا يملكون سوى الكلمات والجمل الناقدة ليوجهوها كسلاح في وجه الأفراد سريعي التأثر شديدي الحساسية الذين تكون أرواحهم هشة وآذانهم لينة دائمة السماع لكل محطم ومكبل يحد من إبداع من حوله ويزعزع ثقتهم بأنفسهم.

والأولى أن يبادر المتحدث ويتفوه بكلام جيد ويكف أذاه عن السامع، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما أمرنا قائلا "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"، وقال أيضا "الكلمة الطيبة صدقة"، فالكلمة الحسنة التي تدفع متلقيها للإنجاز وتبهج روحه مطلوبة في ظل ما نواجه من ضغوط ومسؤوليات، ويجب ألا نستهين بالدور الذي تقدمه كلماتنا وأن نجعل منها بلسما ودواء لا العكس.

وقد تمر الأيام وتفاجأ بإنسان ناجح طموح يصافحك ويخبرك أنك أحد أهم أسباب نجاحه، ويتقدم لك بالشكر وتستغرب سائلا إياه عن الأمر الذي فعلته كي تستحق هذا الشكر والامتنان، فيبادرك قائلا إن كلمة تفوهت بها ناصحا بدلت حاله وأثرت فيه وصنعت منه إنسانا ذا مكانة وشأن، لذا لا تستهن بأحرفك وبعظمة تأثيرها، وتذكر أن الكلمة سلاح ذو حدين فأحسن استخدامها وضع نفسك موضع المستمع وانتق من الكلمات والجمل ما تحب أن يقال لك يوما ما.