منى عبدالفتاح

النعمة الحافية

الأربعاء - 29 يونيو 2016

Wed - 29 Jun 2016

في قول منسوب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه «العافية إذا دامت جهلت، وإذا فقدت عرفت» و«العافية أفضل، أشرف، اللباسين». والصحة أفضل النعم لأنها لا تأتي بمال ولا تشترى أو تباع، وإنما هي هبة ربانية يمنحها الله لمن يشاء من عباده، يجب أن نشكره عليها بالحمد الكثير والحفاظ عليها. وكثيرا ما تبرز المقولة المأثورة «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى»، وهي تمد بلسانها من على جدران بعض المستشفيات، لأناس في حالة ضعف حقيقي. وبالطبع لن يجيء على بال من يتألم أو من أضناه المرض أن يردد أي حكمة مهما كانت قوتها وتأثيرها. فمثل هذه المقولات مكانها مختلف تماما عن مكان الاستشفاء. والواقع أن الناس في تحمل الألم والمرض أو أي ابتلاء درجات؛ فمنهم من يصبر ومنهم من يجزع.

سأضيف إلى هذه المأثورات تعبير «النعمة الحافية». ربما تعكس فلسفة المرض والألم التي تكمن في المقام الأول في تنبيه الفرد إلى شيء يملكه ولكن يجهل قيمته ولا يقدره حق قدره. مثل ما يملك الإنسان المال وينفقه دون أن يحصل على الرضا والسعادة ودون أن يتذوق طعمه الحقيقي إلا بعد أن يفقده. ويترقى الإنسان لأعلى المناصب ولكن يسكنه الافتراء كمتلازمة لترقيته وينسى أن يشكر الله على هذه النعمة، ولا يتذكر إلا بعد أن يفاجأ بأمر العزل أو الإقالة أو إنزاله درجات عن الدرجة التي كان يشغلها، وقليل من الناس يعتبرون بمصائب غيرهم.

ومن النعم أيضا نعمة العقل، إلى أن جاء أبو الطيب المتنبي وقال: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم»، فاتحدت المتضادات، لتشبع غرور الشاعر وكل من تقمص دوره. والقصص كثيرة ولكن ضربت «الكونتيسة الحافية» الفيلم الذي تم إنتاجه في بدايات خمسينات القرن الماضي للمخرج جوزف ل. مانكفيتش، مثلا أيضا في النضال للوصول إلى نعمة أو حلم ما ثم تبديده. تلك العبرة استطاعت أن تحول جيل المأخوذين بالأحلام الوردية والذين ما زالوا يأملون في أن تخرجهم من عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى الواقع وتقبله مهما كان شكله وطعمه.

يدور الفيلم حول سحر النجومية، وهي بمعايير المجتمع الذي تمت فيه تكون نعمة بما تدره من سعادة ورضا، وسحر يلازم من يحققها. تبدأ البطلة الآتية من خلفية متواضعة تحقيق حلم وفره لها مخرج حالم أيضا إلى أن وصلت إلى ذروة مجدها الفني ولكن ذلك لم يشبع تطلعها إلى حياة الأسرة الحقيقية، فالتقت بكونت إيطالي وتزوجها. ولم تلبث زمنا حتى قامت الحرب، التي كان الكونت مقاتلا فيها فأصيب بجروح تركته عاجزا. انتهى الفيلم بشكل صادم وهو أن الأحداث تسلسلت إلى أن قام الزوج بقتلها لخيانتها. وكالحياة تماما فإن حكاية الكونتيسة هي مزيج من الحكاية الخرافية والرواية الهزلية والميلودراما.

وقصص أخرى في هذه الحياة تلخص مسألة السعي لتحقيق حلم، أو سعادة ما فيكون الشخص كما وصفه القرآن الكريم في سورة المعارج: «إن الإنسان خلق هلوعا (19) إذا مسه الشر جزوعا (20) وإذا مسه الخير منوعا (21)». وإذا كان الإنسان يستعد لمواجهة المصائب بالصبر فيجدر به أيضا أن يستعد لمواجهة النعمة التي قد لا يحتملها. ومواجهتها بالطبع بشكر الله عز وجل، ففضلا عن أن الشكر يحافظ على النعم فهو أفضل العبادات.

وأخيرا وليس آخرا فإن هناك قول سديد لمصطفى لطفي المنفلوطي: «لا يزال صاحب النعمة ضالا عن نعمته لا يعرف لها شأنا، ولا يقيم لها وزنا، حتى يدله الحاسد عليها بنكرانها، ويرشده إليها بتزييفها والغض منها، فهو الصديق في ثياب العدو والمحسن في صورة المسيء».

[email protected]