مرزوق تنباك

دول الخليج من عقيدة أوباما إلى رسالة كلنتون

الأربعاء - 29 يونيو 2016

Wed - 29 Jun 2016

دول الخليج تعيش حالة استثنائية إذا نظرنا إلى المنطقة العربية وما فيها من فوضى واضطراب وفتنة تأكل الأخضر واليابس، وتفكك النظام العام في أغلب الدول العربية المجاورة للخليج، فالعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال أصبحت شعوبا بلا حكومات، وتحولت إلى حروب قبائلية وطائفية وعصابات يقتل بعضها بعضا، ولم يعد فيها أمن لسكانها ولا المجاورين لها.

وفي المقابل كانت دول الخليج واحة مستقرة في هذا المحيط الذي تتنازعه الحروب من كل حدب وصوب، ولا يمكن إلا أن يكون هذا المحيط الملتهب حولنا مبعث قلق لنا، فالشرر الذي تقذفه براكين الحروب القاسية لا بد أن يمسنا لهبه مهما حاولنا البعد عنه أو النأي بأنفسنا عن جحيمه.

وقد كان اعتماد دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية خاصة على ركائز مهمة وثوابت قوية كونتها الجغرافيا والتاريخ والماضي البعيد والحاضر الإيجابي في كثير من مكوناته.

الركيزة الأولى: النأي بنفسها عن الدخول في الخلافات الإقليمية ومحاولة مسك العصا من وسطها في كل ما حدث من مناوشات لا تكون المملكة طرفا فيها، وعدم التسرع في الدخول إلى النزاعات مباشرة إلا عند الضرورة القصوى وفي مرات قليلة وفي أضيق الحدود، ورغم ما تعرضت له المنطقة في السابق من هزات عنيفة فقد تجاوزتها المملكة بفضل سياسة الحياد التي عرفت عنها منذ تأسيسها والتزمت بها.

الركيزة الثانية: اعتمادها على حلفاء أقوياء وأصدقاء قدروا الثقل السياسي والمصالح المشتركة والموقع الجغرافي المتميز لها والمكانة الرائدة في العالم الإسلامي ومكانة الحرمين الشريفين فيها اللذين تهفو إليهما أفئدة المسلمين في العالم كله.

أما الثالثة: فاللحمة الوطنية القوية المتماسكة، فالشعب في المملكة وحدوي بطبيعته منسجم بشكل قل أن تجده في أي شعب آخر، قليل المطالب قنوع بما تيسر، وقد ساعده على ذلك التماسك والانسجام ما وهب الله البلاد من ثراء عريض أغنى الناس ورفع الحاجة وشغل الكثير منهم بإصلاح حاله وتنمية مكتسباته في التعليم أو التجارة أو حتى الوضع المالي المطمئن له، فكان شكر ذلك كله انسجاما وطنيا بين أبنائه رغم اتساع مساحة المملكة وتنوع أقاليمها وعاداتها وثقافات مناطقها ومناخها، وقلما خالف أحد برأي إلا كان رده سهلا لأن الجميع يؤمنون إيمانا قويا بأهمية السلام الاجتماعي والبعد عن الاختلاف والتنازع الذي يشهده العالم من حولهم ولا سيما المحيط القريب منهم.

لكن ذلك لا يعني تجاهل المتغيرات التي حدثت وتحدث اليوم، فكل ما سبقت الإشارة إليه يتعرض لمؤثرات قوية وعواصف سياسية واجتماعية أقوى وأكبر من أن يتجاهلها المسؤولون في دول المنطقة، ولا سيما المحيط المضطرب الذي أجبرهم على تغيير سياستهم وحيادهم لأن تأثيره أقوى من أن يتجاهله الناس أو يتحملوا آثاره كما كانوا يفعلون من قبل، ومثلما تغير السياسي والجغرافي تغير الحلفاء وتبدلت لغتهم واختلفت الرسائل التي يرسلونها لدول الخليج بين التلميح في عقيدة أوباما التي أطلقها قبل أشهر، وهي كما يقول المثل إياك أعني واسمعي يا جارة، وبين تصريح السيدة هيلاري كلنتون - المرشحة الواعدة - قبل أسابيع قليلة حين طلبت من حلفائها المملكة وقطر والكويت وذكرتهم بالاسم أن يمنعوا مواطنيهم من التبرعات والهبات والمساعدات التي يقدمونها للمدارس والمساجد والجمعيات الخيرية، وزعمت أن ذلك دعم للإرهاب وحالها يقول ما قال جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا.

ومثلما تغيرت لهجة الحلفاء دخل اللحمة الوطنية دخن لا يخفى خطره ولا يمكن أن نتجاهل الواقع الذي أحدثه والإرهاب الذي يقوم به القلة من أبناء الوطن والتعاطف الصامت مع النظريات الطائفية التي لا شك أنها تنغص السلم الاجتماعي وتخلخل اللحمة الوطنية نتيجة لمؤثرات داخلية وخارجية. وأخيرا تراجع الوضع الاقتصادي الذي هو عماد الهدوء الطويل الذي عاشه الناس في الخليج والمملكة.

إن ما يجب أن تواجه به منطقة الخليج هذه المتغيرات هو التغيير ذاته في أشياء كثيرة وعميقة وجذرية في السياسات والاستراتيجيات والقناعات التي سادت طويلا وأضرت كثيرا، فوجب الابتعاد عنها في هذه المرحلة الحساسة ووجبت التضحية حتى في بعض المصالح المغرقة في الذاتية، ولنبدأ الإصلاح من أعلى السلم الاجتماعي والاعتماد على المواطن وترتيب الأوضاع بما يناسب الحاضر والاعتراف بأننا نواجه خطرا لا يمنع حدوثه غير القوة من الداخل والعدل والمساواة والشفافية في كل شيء، وأن يعتمد على المواطن ومشاركته في الرأي ووضع القوانين التي تحمي النظام العام وتنصف الجميع، وأن يعرف كل فرد واجباته وحقوقه بصفته مواطنا مسؤولا، ولنقرر من الآن أن حماية دول الخليج مسؤولية أبنائها وتضامنهم ووحدتهم ولجم ما تثيره الطائفية البغيضة وما تبرره من أعمال.