عبدالله الجنيد

عقيدتنا العسكرية.. ضمان الاستقرار

الثلاثاء - 28 يونيو 2016

Tue - 28 Jun 2016

ما يصاغ من تحولات جيوسياسية وجيواستراتيجية يحتم تحولا في الاستراتيجية السياسية الخليجية وعقيدتها العسكرية Military Doctrine من «ضمان السيادة الوطنية National sovereignty» إلى «ضمان الاستقرار Sustainable Stability» تكون قادرة على ضمان الأمن القومي ومحفزة للاستقرار الجيوسياسي، والقدرة على التوظيف الأمثل لعناصر القوة جيواستراتيجيا في احتواء الأزمات أو إنهاء التوترات السياسية. ما تقدم هي الثوابت التي تستلزم صياغة رؤى قادرة على إنفاذ الإرادة الوطنية في حالتي الحرب والسلم. لذلك فإن «إبراز القوة Power Projection» يعد أهم أدوات السياسة الخارجية للقوى الكونية أو الطامحة لمكان في نادي الكبار.

ما يميز حالات النزاع في الشرق الأوسط هو طول أمدها الزمني مقارنة بالنزاعات الأخرى العابرة للحدود والتي كان أكبرها نزاع البلقان في تسعينات القرن الماضي، أو نزاع القرم لاحقا. فكلاهما حسم إما بتدخل دولي أو تم احتواؤه من قبل قوى دولية استطاعت فرض الاستقرار النسبي ووقف المعاناة الإنسانية. فحقيقة الصراع الدائر الآن في منطقتنا العربية يتجاوز الإقليمي ويمتد لحوض البحر الأبيض المتوسط. حيث أسهم غياب مبدأ «القدرة على فرض الاستقرار Enforcing Stability» في استنزافنا سياسيا وإنسانيا في كل الملفات. لذلك يجب أن يصاحب التحول في مبادئنا السياسية (جيوسياسيا وجيواستراتيجيا) تبني عقيدة عسكرية قادرة على إظهار قدرتنا على «فرض الاستقرار» لكون مبدأ استنزاف الخصم سلاحا ذا حدين.

فها نحن اليوم ننتقل جزئيا من الاعتماد الكلي على الدبلوماسية في تمثيل إرادتنا الوطنية إلى التوظيف النسبي لمعيار القوة في تمثيل إرادتنا الوطنية وحماية مصالحنا الحيوية. ويجب أن تكون الإرادة السياسية دائما قادرة على تفعيل أدواتها العسكرية في حال فشل الدبلوماسية وإلا عرضت «عزيمة» إرادتها السياسية للتشكيك فيها إقليميا ودوليا. فعاصفة الحزم تعد أفضل أمثلة «احتواء الأزمة» بتوظيف عنصر القوة سياسيا بعد ما فشلت الأطراف اليمنية في إيجاد حل سياسي قابل للاستدامة أو محقق للاستقرار. وثانيا لاحتوائها ضمن حدود اليمن الجغرافية حتى وقت نضج الظرف الموضوعي الملزم للجميع بقبول الثوابت المتفق عليها يمنيا وخليجيا ودوليا.

كذلك للاستدلال العملي على حدوث ذلك التحول في العقيدة العسكرية من حيث توظيف عنصر القوة «تكتيكيا»، فإن استهداف تنظيم القاعدة في أبين وحضرموت ترجمة لموقف سياسي وإنفاذ لإرادة سياسية تحققت منها أهدافها المحددة عسكريا وسياسيا، فأوقعت 800 إصابة في صفوف تنظيم القاعدة خلال 12 ساعة من العمليات وتدمير بنية التنظيم التحتية بالإضافة لمخازنه في سابقة هي الأولى للاستهداف المباشر لتلك المنظمة الإرهابية.

وهنا علينا الاستتباع في قراءة ماهية أهداف تلك العملية سياسيا قبل عسكريا. فبقراءة المعطيات تتضح ازدواجية الأهداف، أولها يمني، وثانيها إقليمي أوسع. فمنذ إعلان التحالف الدولي على الإرهاب في الثلث الأخير من عام 2014 ونحن نسمع وعودا بالقضاء على داعش في سوريا والعراق. والقراءة السياسية تنبئنا بأن ذلك الحلف لم يعد واثقا من وجود إرادة سياسية جادة للقضاء على داعش. وفي نفس الوقت كانت تلك العملية الرد الأمثل على توصيف الرئيس أوباما لحلفائه العرب «بالاتكاليين free-riders». فبتوجيه تلك الضربة للقاعدة في أبين وحضرموت أولا لدواع أمنية عسكرية في منطقة عمليات كانت تدار أمريكيا وبشكل تقليدي في استهداف القاعدة لم يحقق الأهداف المرجوة. وثانيا لنقل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بقدرة المنظومة الخليجية بقيادة السعودية والإمارات بالإضافة للكتلة القادرة معهما على اقتلاع داعش من سوريا والعراق أو في مسارح أبعد من ذلك إن لزم الأمر لضمان الاستقرار. وبمراجعة التصاعد في وتيرة عمليات استهداف داعش في العراق وسوريا منذ ذاك الحين يتأكد أن رسالة تلك العملية السياسية قد حفزت إدارة الرئيس أوباما على تبني وجهة نظر قياداته العسكرية.

كل الدول تقوم عقيدتها العسكرية على أساس مبدأ صيانة الأوطان وضمان الاستقرار، واليوم نحن ملزمون بالتحول كليا لاعتناق ذلك المبدأ لضمان حقنا في الاستقرار.

[email protected]