محمد العوفي

التفكيران الناقد والإبداعي.. نحتاج إليهما مستقبلا!

الثلاثاء - 28 يونيو 2016

Tue - 28 Jun 2016

التفكير خارج الصندوق «Thinking outside the Box» مصطلح يستعمل للإشارة إلى التفكير الإبداعي الذي يتم بعيدا عن النمطية أو المألوف، ويعني أن تدع كل تجاربك وأفكارك ومبادئك السابقة جانبا، وتنظر للموضوع أو المشكلة القائمة من زوايا جديدة وغير عادية لبناء تصور جديد، وتوليد أفكار جديدة لم تكن معروفة أو موجودة مسبقا، وما نشهده اليوم من تحولات وصناعات متقدمة ناتجة من أفكار آتية من خارج الصندوق التقليدي.

ولولا هذه الأفكار الإبداعية، ما ظهرت وأنتجت السيارة، والقطار، والطائرة، والمصباح الكهربائي، والمصعد، والتلفاز، والراديو، وأجهزة الكمبيوتر، والهواتف النقالة، والأجهزة والمعدات الطبية، وما تبعها من تطورات متلاحقة في هذه الصناعات، ولولا هذه الأفكار الآتية من خارج الصندوق ما حدثت الاختراعات المتوالية والمستمرة التي تسجل براءاتها منذ العام 1899، وهو العام الذي قال فيه شارل هولاند دويل الذي كان يشغل منصب مفوض الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية (1898- 1901) «كل شيء كان من الممكن اختراعه فقد تم اختراعه»!

والاهتمام بالتفكير الإبداعي بصورته الحالية حتى أصبح مناهج ودورات تدرس لم يكن وليد اللحظة، بل يعود إلى منتصف القرن الماضي منذ أن عقد أول مؤتمر للتفكير الإبداعي في عام (1955) في جامعة Utah في الولايات المتحدة الأمريكية، لتتوالي بعد ذلك المؤتمرات والدراسات حول التفكير الإبداعي أو التفكير خارج الصندوق حتى أصبح منهجا وعلما يُدرس.

والتفكير الإبداعي لا يرتبط بمشاكل معينة، بل يشمل كل شيء دون استثناء، ولكي نخرج أشخاصا قادرين على التفكير الإبداعي يتطلب نوعا من التدريب، يعتمد على الربط بين نقاط تسع موضوعة على هيئة صندوق قدمها العالمان مايك فانس وزميلته ديان ديكون تتكون من (الاطلاع، المشاركة، الإلهام، المنتج، الإبداع، الناس، المكان، التعاون، الاهتمام).

وللأسف هذا النوع من التدريب غير متاح وغير متوفر لدينا، وننظر له كنوع من الترف الزائد الذي لا نحتاجه حتى وقت قريب، لذلك كانت كل الحلول التي نقدمها لما يصادفنا من مشاكل وتحديات حلولا تقليدية، زادت الأمور تعقيدا دون أن تحل المشاكل.

وفي بعض الجهات لدينا ينظر للأفراد أو الموظفين الذين يقدمون أفكارا أو مقترحات غير تقليدية (إبداعية) بعين الشك والريبة، ولا يرحب بهم ولا بأفكارهم، ويتعرضون للتهميش والمضايقات من المسؤولين التقليديين الذين يفضلون الروتينية في التفكير، والميل للحلول المكررة التي لم تعد صالحة للزمن الذي نعيش إرهاصاته.

ما نعيشه من تحديات ومشاكل تنموية وصناعية حالية هو خلاصة لغياب التفكير الإبداعي على المستوى المؤسسي بشكل عام، وغياب التفكير الإبداعي يعود إلى غياب التفكير والتحليل الناقد «Critical Thinking»، والتفكير الناقد وفقا لما تعلمناه يمر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى تتعلق بالوصف، وتجيب عليها أسئلة (ماذا، أين، من، متى)، والمرحلة الثانية: مرحلة التقييم وترتبط بأسئلة (كيف؟ لماذا؟ وماذا لو؟) وأخيرا مرحلة التقييم الشامل، ويجيب عليها سؤال (ماذا بعد؟).

وغياب التحليل والتفكير النقدي في حياتنا اليومية أحد أسباب ضعف التفكير الإبداعي، فنحن في جميع مراحل حياتنا التعليمية والاجتماعية حتى وقت قريب لا نؤمن بما يسمى بالتفكير الناقد، ونعتمد على التلقين في كل شيء إلا فيما ندر، ولذلك كانت الأفكار المطروحة - إن جاز أن نسميها أفكارا إبداعية - لا تتعرض لرياح التفكير الناقد الذي يحكمها ويصقلها ويجعلها أفكارا غير تقليدية.

التفكير الإبداعي والتفكير الناقد مرتبطان ببعضهما ويكمل كلاهما الآخر، لأن التفكير الإبداعي يتمثل في القدرة على خلق وتقديم أفكار جديدة من ناحية، وربط الأسباب بالنتائج في المشكلة المطروحة من ناحية أخرى، فيما يعمل التفكير الناقد على استيعاب الأفكار الإبداعية، ودراستها وتطبيقها على الواقع، ومن ثم يعمل على تقديم البراهين والتعليلات والتفسيرات الخاصة بالمشكلات المطروحة، والعكس صحيح.

على أي حال، متى ما وجد التفكير النقدي، وجد التفكير الإبداعي، وخرجت الأفكار الإبداعية تلقائيا، وهما ما نحتاج إليهما في المرحلة المقبلة، لاسيما أن رؤية السعودية 2030 تعني تبني مبادرات تحتاج إلى التفكير الناقد والتفكير الإبداعي في كل مرحلة من مراحلها الثلاث.

[email protected]