سعود عبدالرحمن الشريف

تقاربنا لنتباعد

الاثنين - 20 أبريل 2020

Mon - 20 Apr 2020

كل موقف أو حدث هام كما له بداية ستكون له نهاية بكل تأكيد، وما نعيش تفاصيله اليوم بسبب كورونا الذي جعل العالم كله يتخذ القرارات والتدابير والاحتياطات نفسها كلها في وقت واحد، ومن ضمنها التباعد الاجتماعي للبشر، والتي يندرج تحتها التوقف عن الأعمال والتوقف عن ممارسة أبسط الأمور التي كنا نمارسها وتتطلب فقط الخروج من باب المنزل، ويذكر أن الخبراء يقولون بأن هذه الأزمة ستستمر إلى عام 2022 تقريبا.

عموما مهما طالت المدة أو قصرت ستنتهي، والبشرية بطبعها تتكيف وتتغير وتتحول وتكمل المسير، وهذا بالفعل ما حصل اليوم فقد صار الاعتماد الكلي في كل شيء تقريبا على التقنية، وتحولنا من التباعد الاجتماعي إلى التقارب الأسري والبقاء في منازلنا بين أحبتنا، إضافة إلى التقارب التقني لإنجاز الأعمال وقضاء الأوقات وتواصل البشر فيما بينهم وكأنهم أمام بعضهم، ولا يخفى عليكم أنه لشيء جميل وغير جميل في الوقت نفسه.

عموما لكل مرحلة من مراحل الحياة إيجابياتها وسلبياتها على كل حال، واسمحوا لي أن أعود بذاكرتكم لسنوات سابقة كنا نردد ونستنكر ما يحصل في مجتمعنا من تباعد اجتماعي بسبب التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان البشر تلتقون ويتقاربون اجتماعيا ولكنهم في الوقت نفسه متباعدون اجتماعيا ومتقاربون تقنيا، واليوم تحقق ما كنا نطالب به منذ زمن بحيث تباعدنا اجتماعيا وتقاربنا بالجسد والعقل والروح.

ما أجملها من لحظات فقدناها ثم عادت، وهذا أحد الجوانب المشرقة من التباعد الاجتماعي بسبب كورونا، ولكن هناك ما هو أصعب فقد زاد تعلقنا واستخدامنا للتقنية وقضاء كل الوقت عليها، وعاد بنا الحال لحالنا القديم وهو تقارب بالجسد دون الروح، وربما إن طال التباعد الاجتماعي ستظهر أعراض الانعزال الأسري في كل بيت، فكل فرد من أفراد الأسرة سينعزل أكثر في زاويته المنزلية، وفي يده عالمه التقني يتجول في أرجاء هذا العالم، والخوف هو أن تنتشر العدوى التقنية أكثر بين الناس لتعود حليمة لعادتها القديمة، ولكن بعدد أكبر من الناس من كل الأعمار.

وأنا لا أقصد أن أحث أو أحذر الناس للابتعاد عن التقنية وتشعباتها بشكل كامل، لا بالعكس فقد أثبتت لنا التقنية أننا نستطيع الاستغناء وعمل كثير من الأمور بجهد أقل، ولكن ما أخاف منه هو أن يصبح ما نمر به اليوم من تقارب تقني عميق هو في المستقبل من أساسيات حياتنا اليومية التي لا غنى عنها، فتصبح كل الأعمال عن بعد، وتصبح كل اللقاءات الأسرية عبر برامج التواصل الاجتماعي، وتصبح كل أمور التسوق وقضاء الاحتياجات عبر التطبيقات والمواقع، فتحل بنا الكارثة التقنية التي هي في الأصل تخالف الطبيعة البشرية وهي التقارب والتواصل الاجتماعي الواقعي، لذلك بعد انتهاء الأزمة، أنبهكم من التعمق أكثر في هذا التقارب وجعله هو محور الحياة، فالتوازن في أمور حياتنا مطلوب وأساسي حتى لا نخالف طبيعتنا البشرية.