بندر الزهراني

هيئة للبحث العلمي والابتكار!

السبت - 18 أبريل 2020

Sat - 18 Apr 2020

قبل أكثر من عام تقريبا، تبنى مجلس الشورى توصية قدمتها لجنة التعليم والبحث العلمي على تقرير وزارة التعليم، وكانت التوصية آنذاك تدعو إلى إنشاء هيئة للبحث العلمي والابتكار، تماشيا مع ما هو معمول به في بعض دول العالم، وحفظا للموارد المالية، وتنظيما وتشجيعا للبحث العلمي.

وعلى الرغم من عقلانية التوصية وأهمية موضوعها إلا أن الوزارة لم تعطها ذلك الاهتمام من الدراسة والرعاية، ولم تتناولها بالحديث في وسائل الإعلام المختلفة، ولا على هامش المؤتمرات والندوات التي نظمتها أو عقدتها طوال كل هذه المدة، ولعل هذا الانصراف من الوزارة له أسبابه الإدارية والفنية، فمن ناحية إدارية مجلس الشورى هو جهة تشريعية، لا تنفيذية، وقراراته توقيفية على ما تتم عليه الموافقة من القيادة العليا، وأما من ناحية فنية فإن الوزارة لديها وكالة يفترض أنها تقوم مقام الهيئة الموصى بها، وفي المجمل هي ليست ملزمة بقرارات المجلس ما لم تتحول تلك القرارات إلى قرارات نافذة رسميا.

وبعيدا عن التشريعات وما يصاحبها من بيروقراطية ضرورية أو غير ضرورية، يجب أن نعترف ونقر إقرارا تاما، أن جائحة «فايروس كورونا» كشفت لنا بجلاء لا يحتمل الشك، مدى احتياجنا لهيئة مستقلة تعنى بالبحث العلمي والابتكار، ومن يقول بخلاف هذا، مع احترامنا له ولرأيه، لا يدرك عظم المسؤولية، وحجم التحدي وضرورة الحاجة، ولا يعي أهمية نجاح الأبحاث العلمية، وأثرها المباشر على أمن الشعوب واستقرارها، ولا يعلم أن وجود العلماء القادرين على إثراء الساحة العلمية بحثا ونقاشا وتطبيقا، هو في الأهمية كوجود الجنود في الصفوف الأولى في ساحات العز والشرف، و على ثغور البلاد وحدودها.

صحيح أن لدينا مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهي كيان مستقل بذاته، وتهتم بالبحث العلمي طرحا ومضمونا وتدعمه وترعاه، ولكن ضمن إمكاناتها المالية ونطاقاتها الإدارية، بمعنى أنها لا تتدخل في إدارة البحث العلمي الناتج عن الجامعات أو مراكز الأبحاث التابعة لها، أو حتى القطاعات الحكومية الأخرى، ولو تدخلت فضمن نطاق ضيق جدا، ولا يخرج عن الدعم المالي المحدود، أما ما يتعلق بالجودة والقيمة العلمية للأبحاث فإن تدخلها يظل باهتا، أو بالأحرى غير موجود، ولو أنها تتحول إلى جامعة للدراسات العليا لربما كان أفضل وأكثر نفعا مما هي عليه اليوم!

وصحيح أن لدى وزارة التعليم وكالة تسمى «وكالة البحث والابتكار» ولعلها أوجدت لمثل هذه الدوافع الجميلة التي نتحدث عنها، ولنفس الطموحات العظيمة التي نرنو إليها، ولكن شتان بين أن تعمل في أجواء حرة ومستقلة، وبين أن تكون تابعا لمن يفترض أن يكون تحت طائلة نقدك وسطوة توجيهك، وعلى أن كل الجامعات الحكومية والأهلية تزعم الريادة والأصالة في البحث العلمي، ولدى كل جامعة عمادة تتولى إدارة البحث العلمي، إلا أنها في ظل «كورونا» صمتت عجزا حتى توارت بالحجاب، مع استثناء بعض التصريحات التي تخرج من هنا أو من هناك للاستهلاك الإعلامي لا أكثر!

ما نفتقده في مثل هذه الأوضاع الحرجة هو وجود هيئة للبحث العلمي والابتكار، مستقلة عن وزارة التعليم، ولها شخصيتها الاعتبارية واستقلاليتها المالية، تعمل على تطوير البحث العلمي، وسن قوانينه، وتقوم على توزيع الدعم المالي الحكومي والوقفي الخيري على الباحثين بشكل منظم ويخدم توجهات وطموحات الدولة في مجال الدراسات والبحوث العلمية، وتحقق تطلعات الباحثين وتلبي رغباتهم، وتضع المملكة في مكانة عالمية تستحقها، وفي الوقت نفسه تقضي على مظاهر الفساد الأكاديمي والبهرجة الإعلامية المصاحبة له، التي - هي في الواقع - لا تسمن ولا تغني من جوع.

إذا أردنا أن نحمي أنفسنا وأجيالنا القادمة من أخطار الأوبئة والأمراض، وإذا أردنا أن نحمي معلوماتنا الرقمية من الاختراق والضياع، وإذا أردنا أن نوطّن المعرفة والعلوم الحديثة، ونساهم في رفعة الإنسان ورفاهيته، علينا أن نعطي البحث العلمي الأولوية، وعلينا أن نبذل له من الدعم المالي والمعنوي أضعاف أضعاف ما نبذله اليوم، وعلينا إن نحن أنشأنا هيئة للبحث العلمي والابتكار أن نعطي إدارتها وقيادتها لمن يستحقها من العلماء الأفذاذ والفلاسفة الأخيار، وأن نراقبهم ونحاسبهم على أدائهم، ولا نستسلم للترشيحات والمجاملات، فإن المؤمن كيّس فطن، ولا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين!

drbmaz@