مختصر الأسبوع (17.4.20)

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 16 أبريل 2020

Thu - 16 Apr 2020

عبدالله المزهر
عبدالله المزهر
وأسبوع آخر من الأسابيع التي «أضحى التنائي بديلا من تدانينا / وناب عن طيب لقيانا تجافينا»، في البداية نظن أننا سنعتاد الأمر ثم نعتاد فعلا، ولكننا نخطئ حين نعتقد أن الملل وحده هو من سنقاومه في أيام عزلتنا، أظن أن الناس قد انتصروا على الملل ولكنهم يخوضون معركة غير متكافئة مع «الشوق» إلى الحياة والناس والأحبة والطرقات والأرصفة والزحام ...

ثم إن هذا ملخص ما كتبته في أسبوع مضى:

• المطلوب منك أن تتقبل هذا الوضع وتحاول التكيف معه، وأظنك تعلم أن تقبله لا يعني أن تدعي محبته، كراهيتك أو تململك من القيود التي تفرضها هذه الظروف أمر عادي ولا يدل على أنك كائن تكره الوطن كما قد يصوره لك بعض الذين ينادون بمثالية غير موجودة في الحياة حتى الآن. ولكنه ربما يدل على أنك كائن بشري يحب الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلا. الفكرة تكمن في قدرتك على الصبر والتحمل والتكيف، وهذه الفائدة الرئيسية التي يفترض أن تخرج بها من هذه الورطة التي تتشارك فيها مع كل البشر تقريبا.

• أزعم أنه ليس مطلوبا منك أن تخرج من هذه التجربة وقد تعلمت عشر لغات وأتقنت ثمانين فنا، وأصبحت مبدعا في سبع صنائع، عدم قيامك بأي من هذا ليس دليلا على فشلك، إن حدث وتعلمت في هذه الأزمة شيئا جديدا أو علما نافعا فهذا شيء جميل، وإن لم تفعل فإنه ليس شيئا قبيحا. تعد الأمر بسلام وبصحة بدنية ونفسية واجتماعية جيدة وسيكون هذا مفيدا لك أكثر من تعلمك اللغة الصينية أو معرفتك بطرق تخصيب اليورانيوم أو دراستك لتاريخ الإغريق.

• منذ أن قرر عمرو بن لحي أن يدخل الأصنام إلى جزيرة العرب وهذه العادة لم تتوقف، ففي كل فترة يستورد « اللحييون « صنما جديدا، يعبدونه ويروجون لعبادته، ومشكلتهم الأزلية أنهم لا يتعلمون ولا تفيدهم تجاربهم السابقة في حياتهم اللاحقة، ثابتون في «الدجة»، كافرون بالأعمال، أقوياء في التمسك بعقيدة الخطب والشعارات البراقة التي لا تسمن عقلا ولا تغني من جوع الحقيقة.

• الحياة في مجملها عبارة عن لعبة ألغاز وأحاج، كل لغز هو مشكلة يحاول الإنسان حلها لينتقل للمرحلة التالية، بداية من مشكلته في ستر نفسه ثم البحث عن طعامه ثم التكيف مع بيئته ثم محاولة معرفة حقيقة وجوده ثم قتل بقية الكائنات بما فيها الإنسان نفسه.

• في جائحة كورونا لم يواجه العالم هذا الداء فحسب، بل إن الإنسان واجه نفسه، وربما عرفها على حقيقتها مجردة من كل الزيف المادي الذي كان أحد الحلول التي أراد الإنسان من خلالها أن يواجه الحياة، ولكن مثل أي لعبة أخرى قد تخسر وتعود للمربع الأول وتبحث عن طريقة أخرى للوصول إلى نهاية اللعبة.

• بعد تجربتي في تعليم طالبين فقط «عن قرب» فإني أجدها فرصة سانحة لأقدم اعتذاري لكل المعلمين والمعلمات الأحياء منهم والأموات عن كل لحظة لم أقدر فيها العمل الذي يقومون به، أنتم تستحقون أكثر مما تأخذون، وتستحقون نظاما تعليميا ينصف المبدع منكم ويضعه في المكانة التي يستحق.

• المدرسة نفسها والمدرس والطلاب وتواجدهم في مكان وزمان واحد ستظل أهم أركان العملية التعليمة على الأقل في حياة كل من يستطيع قراءة هذا المقال. ولن يضحي التنائي بديلا عن تلاقيهم، ولن ينوب عن طيب لقياهم تجافيهم.

agrni@