سهام هلال

من الأزمة إلى المعنى تبدأ الانطلاقة

الاثنين - 13 أبريل 2020

Mon - 13 Apr 2020

تراودني كثيرا تجربة الطبيب النفسي فيكتور فرانكل وما تعرض له من مآس عندما سجن أثناء فترة الحرب العالمية الثانية متنقلا بين العديد من معسكرات الاعتقال النازية منذ عام 1942م إلى 1945م، لقد قادته هذه المعاناة إلى اكتشاف المعنى في أشد أشكال الحياة قسوة، واتجه باحثا عن دافع للاستمرار بالحياة. لقد احتفظ أثناء معايشته للموت وغلبة اليأس بقصاصات تحوي أفكاره عن أهمية المعنى في الحياة الإنسانية، وعن كيفية توظيف هذا المعنى لخدمة الصحة النفسية، هذه القصاصات ساعدته في التشبث بالخيوط الضعيفة الباقية له في الأمل والنجاة من هذه المحنة، فلقد كان يتوقع الإبادة في كل ساعة، وكأن هذه القصاصات كانت رسالة إلى البشرية تحمل الأمل والمعنى الذي اكتشف فيما بعد ارتباط حياته به إلى الأبد.

المعنى هو الذي يجعل من مواجهة الموت والصمود أمام أقسى الظروف شيئا ممكنا.

لقد كانت هذه التجربة سببا محوريا في تأسيسه لمدرسة العلاج بالمعنى في علم النفس، واعتبر بعدها زعيما لثالث مدرسة نمساوية في العلاج النفسي.

تقوم هذه المدرسة على مسلمة أساسية، هي: مساعدة البشر على إيجاد المعنى في حياتهم، إذ إن معنى الحياة للإنسان هو الذي يجعل من السعي الدؤوب وتحمل المعاناة شيئا يرفع من قيمة الحياة ويجعلها تستحق أن تعاش. حينما يكتشف الإنسان أن لحياته معنى يستطيع أن يتحمل ندرة اللذة والافتقار إلى المكانة والنفوذ دون أن ينتقص ذلك من صحته النفسية.

لقد آمن فرانكل بمقولة نيتشة الشهيرة: (إن من يجد سببا يحيا به، فإن في مقدوره غالبا أن يتحمل في سبيله كل الصعاب بأي وسيلة من الوسائل).

إن ما نمر به من أزمة حالية مدعاة جوهرية للتفكير في المعنى خلف هذه الأزمة.. هل يوجد معنى لهذه الأزمة؟

تساؤل يستدعي التفكير.

ولكن يقول ألبرت أينشتاين (مجرد التفكير لا يمكنه أن يكشف لنا الغرض الأعلى). فأعتقد أن الإنسان ليس بحاجة إلى التفكير فقط، وإنما بحاجة إلى التفكير والإيمان ليفهم جزء من المعنى الأسمى للمعاناة الإنسانية، ذلك الإيمان الذي تسبقه الثقة المطلقة بالله وحكمته في أقداره للبشر.

أعتقد أن هذه الأزمة أعادت ترتيب كثير من أولوياتنا وقيمنا في الحياة وامتناننا للنعم، ابتداء من تقدير نعمة الإسلام الذي يمنحنا مصدر قوة عظيم نلجأ إليه في حالات قلقنا فيمنحنا السكينة والاطمئنان، إلى الأمن الوطني والغذائي، واحتضان العائلة، وقيمة الإنترنت في منازلنا.. إلخ. قال تعالى "وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم" سورة إبراهيم: آية 7.

إذن هناك معنى يجب أن نتعلمه؛ لذا نحن نعايش هذه الأزمة.. ماذا أحدثت بك هذه الأزمة؟ ما الذي عليك فعله خلال هذه الأزمة؟ كيف عليك التصرف بعد هذه الأزمة؟ ستنجلي الأزمة بإذن الله، لكن تذكر دوما المعنى الذي اكتسبته خلالها.

رحل فرانكل تاركا رسالة جوهرها: أن يكتشف كل إنسان المعنى، أن يتقبل المسؤولية التي تحددها إجابته عن هذا المعنى سواء المسؤولية تجاه الإنسانية، أو المجتمع، أو الضمير، فإذا نجح في ذلك فإنه سوف يستمر في النمو.

فرانكل بعد تجربته المريرة أسس مدرسة للعلاج بالمعنى. أنت ماذا ستكسبك هذه الأزمة؟ كيف سينعكس امتنانك لوطنك على جوانب حياتك ودورك في المجتمع؟

الأكثر قراءة