الموت في زمن الكورونا
الخميس - 09 أبريل 2020
Thu - 09 Apr 2020
الحب في زمن الكوليرا رواية للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز جائزة نوبل. فقد نشرت الرواية أول مرة باللغة الإسبانية عام 1985. ونشر ألفرد أ. كنوبف ترجمة بالإنجليزية عام 1988، وتروي أحداث الرواية قصة حب رجل وامرأة منذ المراهقة، حتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتصف ما تغير حولهما وما دار من حروب أهلية في منطقة الكاريبي حتى تغيرات التكنولوجيا وتأثيراتها على نهر مجدولينا في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين. كما أنها ترصد بدقة الأحوال في هذه المنطقة من العالم، من حيث الأحوال الاقتصادية والأدبية والديموغرافية دون التأثير على انتظام الأحداث وسيرها الدقيق، مما يضعنا أمام كاتب يمسك بأدواته على أحسن ما يكون.
أما في عصرنا الحالي، فنحن نعيش في رواية أخرى ألا وهي «الموت في زمن الكورونا»، حيث يضطر أكثر من 1.5 مليار إنسان، في الوقت الحالي، إلى المكوث في منازلهم حول العالم، بسبب قرارات الحجر الصحي، لأجل كبح انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي يفتك بكثير من البشر على مستوى العالم، فالأعداد لا حصر لها والموت تستطيع أن تشم رائحته في كل مكان وزمان، ولا يعلم أحد متى تنتهي هذه الكارثة المحدقة بكل سكان العالم. وقد أظهرت البيانات المجمعة لعدد حالات الإصابة بفيروس كورونا حول العالم أن عدد الإصابات به زاد على المليون وما زال يزيد.
ومن هنا فقد فرض انتشار فيروس كورونا الجديد على العالم بشكل عام والمجتمعات العربية بشكل خاص، عادات اجتماعية جديدة لم يعتادوها، حيث اتخذت جميع الدول إجراءات احترازية للحد من انتشاره، تمثلت بكثير من الإجراءات كحظر للتجوال ومنع الاجتماعات وإلغاء دور العزاء وقاعات الأفراح، والتحذير من المصافحات واللمس، وقد يتعدى خطر شائعات وسائل التواصل الاجتماعي في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، مجرد كونه تضليلا للعقل.
بل أصبح البعض يقبل على تناول عقاقير خاطئة تصيب البعض بالأذى، وأحيانا الموت، بل وتجنب آخرون أدوية صحية لأمراض لديهم خوفا من أن تصيبهم بالكورونا، كما تقول الشائعات، بل تتهاوى مؤسسات وشركات تجارية. فقد انقض كورونا فجأة من مخبئه، ليذكرنا بأن
المسلمات التي كنا نرتاح لها ليست كذلك، وأن زيارة المقهى وارتياد المطعم، بل حتى الخروج إلى الشارع أو الرصيف المقابل، التي كنا نعتبرها أمورا طبيعية نمارسها في حياتنا اليومية، يمكن أن نحرم منها في غمضة عين. وممن؟ من عدو مجهول لا نعرف شكله، ولا من أين يتسلل، ولا ماذا يرتدي، بل هناك من يرى أن هناك شكوكا في طريقة الإصابة به.
فقد زادت أزمة انتشار الفيروس من مواجع البشر في أنحاء العالم ليس فقط كمجرد وباء تأخذ الدول ضده كافة الإجراءات الاحترازية، وإنما نهش أجساد المواطنين سواء أحياء يرزقون أو أمواتا، كما أن الموت في زمن الكورونا هو «موت العزلة»، لا فرصة للوداع الأخير أو وجود عزاء للميت، وذلك في ظل فرض قيود الحجر الصحي ومنع التجمعات، حيث لا يمكن أن تقام مراسم الجنازة التقليدية، وإنما يمر الحداد في عزلة ويتحمل أهالي الميت متاعب عديدة مثل العزل الصحي الإجباري لكل أفراد الأسرة وخوف الأقارب والأصدقاء منهم بشكل يشبه القطيعة حتى ولو ثبت عدم إصابة الأسرة بالمرض.
والمحزن بالفعل أن الموت في زمن الكورونا في حد ذاته هو قضاء الله ولا راد لقضاء الله فلا يستطيع أحد الفرار منه، لكن هذا المرض لا يقف عند تمثل حدود ما يمكنه أن يشكل من تهديد لحياة الإنسان وتربص بوجوده، وربما استعجال فنائه، وإنما يذهب إلى ما هو أبعد وأعمق من كل هذه الهواجس.
فمجرد تأمل حال الإنسان في سياق التفكير هذا، يكشف عن ضعفه: إنه كائن هين شأنه في هذا الوجود، ضعيف إلى درجة إيمانه بضعفه بوثوقية تجعله لا يتوانى عن تغليف هشاشته هذه بحجب عديدة، وبحجب للحجب نفسها، لينسى ضعفه المحتوم، فيعتنق لمداراته وهم القوة، وهو وهم أزلي لا يطفو على السطح إلا في ظروف الأزمة.
saadelsbeai@
أما في عصرنا الحالي، فنحن نعيش في رواية أخرى ألا وهي «الموت في زمن الكورونا»، حيث يضطر أكثر من 1.5 مليار إنسان، في الوقت الحالي، إلى المكوث في منازلهم حول العالم، بسبب قرارات الحجر الصحي، لأجل كبح انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي يفتك بكثير من البشر على مستوى العالم، فالأعداد لا حصر لها والموت تستطيع أن تشم رائحته في كل مكان وزمان، ولا يعلم أحد متى تنتهي هذه الكارثة المحدقة بكل سكان العالم. وقد أظهرت البيانات المجمعة لعدد حالات الإصابة بفيروس كورونا حول العالم أن عدد الإصابات به زاد على المليون وما زال يزيد.
ومن هنا فقد فرض انتشار فيروس كورونا الجديد على العالم بشكل عام والمجتمعات العربية بشكل خاص، عادات اجتماعية جديدة لم يعتادوها، حيث اتخذت جميع الدول إجراءات احترازية للحد من انتشاره، تمثلت بكثير من الإجراءات كحظر للتجوال ومنع الاجتماعات وإلغاء دور العزاء وقاعات الأفراح، والتحذير من المصافحات واللمس، وقد يتعدى خطر شائعات وسائل التواصل الاجتماعي في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، مجرد كونه تضليلا للعقل.
بل أصبح البعض يقبل على تناول عقاقير خاطئة تصيب البعض بالأذى، وأحيانا الموت، بل وتجنب آخرون أدوية صحية لأمراض لديهم خوفا من أن تصيبهم بالكورونا، كما تقول الشائعات، بل تتهاوى مؤسسات وشركات تجارية. فقد انقض كورونا فجأة من مخبئه، ليذكرنا بأن
المسلمات التي كنا نرتاح لها ليست كذلك، وأن زيارة المقهى وارتياد المطعم، بل حتى الخروج إلى الشارع أو الرصيف المقابل، التي كنا نعتبرها أمورا طبيعية نمارسها في حياتنا اليومية، يمكن أن نحرم منها في غمضة عين. وممن؟ من عدو مجهول لا نعرف شكله، ولا من أين يتسلل، ولا ماذا يرتدي، بل هناك من يرى أن هناك شكوكا في طريقة الإصابة به.
فقد زادت أزمة انتشار الفيروس من مواجع البشر في أنحاء العالم ليس فقط كمجرد وباء تأخذ الدول ضده كافة الإجراءات الاحترازية، وإنما نهش أجساد المواطنين سواء أحياء يرزقون أو أمواتا، كما أن الموت في زمن الكورونا هو «موت العزلة»، لا فرصة للوداع الأخير أو وجود عزاء للميت، وذلك في ظل فرض قيود الحجر الصحي ومنع التجمعات، حيث لا يمكن أن تقام مراسم الجنازة التقليدية، وإنما يمر الحداد في عزلة ويتحمل أهالي الميت متاعب عديدة مثل العزل الصحي الإجباري لكل أفراد الأسرة وخوف الأقارب والأصدقاء منهم بشكل يشبه القطيعة حتى ولو ثبت عدم إصابة الأسرة بالمرض.
والمحزن بالفعل أن الموت في زمن الكورونا في حد ذاته هو قضاء الله ولا راد لقضاء الله فلا يستطيع أحد الفرار منه، لكن هذا المرض لا يقف عند تمثل حدود ما يمكنه أن يشكل من تهديد لحياة الإنسان وتربص بوجوده، وربما استعجال فنائه، وإنما يذهب إلى ما هو أبعد وأعمق من كل هذه الهواجس.
فمجرد تأمل حال الإنسان في سياق التفكير هذا، يكشف عن ضعفه: إنه كائن هين شأنه في هذا الوجود، ضعيف إلى درجة إيمانه بضعفه بوثوقية تجعله لا يتوانى عن تغليف هشاشته هذه بحجب عديدة، وبحجب للحجب نفسها، لينسى ضعفه المحتوم، فيعتنق لمداراته وهم القوة، وهو وهم أزلي لا يطفو على السطح إلا في ظروف الأزمة.
saadelsbeai@