العريفي دلال

التواصل الإداري في أزمنة الصراع

الأربعاء - 08 أبريل 2020

Wed - 08 Apr 2020

تتمحور العلاقات بين بني آدم في كل المجتمعات حول مجموعة متنوعة من المفاهيم والسلوكيات، ورغم تعددها يبقى الاتصال أحد أهم المفاهيم التي تركز على أساليب الحوار والتشارك بين الأفراد والجماعات. فالاتصال يتضمن الحديث وتناقل المعاني، وتبادل المعلومات، وفهم الآخرين، سواء كان هذا الاتصال بين شخص وآخر، أو بين كيانات المجتمع وفِرقه.

لطالما آمنت أن الحديث والتواصل داخل الإطار الإداري هو السبيل الأول لتحقيق التقارب والاتفاقات، أو لحسم الاختلافات، وتقليص الفجوات التفاهمية بين الأفراد، لكني أعترف أن إيماني بأهمية الاتصال والحوار، وفعاليته في الإدارات المتشبعة بمستويات عالية من الصراعات الإدارية؛ لم يعد كما كان في السابق. فحتى الصراعات لها درجة معينة من الواقعية، ومتى ما تجاوزتها لا يمكن أن تتنبأ بما يحدث في معركة يكون أولى ضحاياها الوعي وتحكيم المنطق، فقد ترى ذلك الوعي يسقط صريعا في أرضها، أو يعلن استسلامه أمام ما يشهد عليه.

أعتقد أن الإدارات التي فُقدت فيها بوصلة الحكمة، وكثرت الخلافات بين أحزابها، لا بد أن تضع أساليب الحوار والحديث الإداري جانبا لفترة محددة حتى يتم التعامل مع الصراع أولا، والصراع هنا يعني جذوره ومنابته، ولا يقصد به أعراضه وآثاره. فتهدئة الأوضاع أحيانا تكون أمرا مهما في الخلافات، لكنها في بيئات الصراع اليومي لا يمكن أن تجدي نفعا ولا تقدم حلا، بل قد تُعامل على أنها هدنة بين متحاربين، تكفيهم لالتقاط الأنفاس والعودة مرة أخرى لساحة القتال.

قد تبدو الألفاظ السابقة عنيفة جدا، وقد يكون الوصف لا يتناسب مع بيئات العمل الحديثة، لكن صدقني - عزيزي القارئ - أن هناك بعض الإدارات تكاد تذوب من نيران الصراع الإداري في الوقت الحاضر.

ومن خبرة متواضعة في إحدى أكثر بيئات العمل شراسة - كما كنت ولا زلت أراها - أعتقد أن أسباب تأجج الصراع، يمكن تلخيصها في تخاذل الإدارة، وانحيازها مع طرف دون آخر، أو اليأس الذي بلغ حدا جعل المدير يستسلم ويبحث عن أقرب مخرج من دائرة الصراع وبأقل الخسائر الشخصية.

كما أن تحليل أسباب الصراعات الإدارية يستدعي أحيانا فتح الملفات القديمة، والتنبيش في أصل المشكلة، واجتثاث نواتها الأصلية، واستئصال الرؤوس السامة، وهذا بالذات ما لا يقدر عليه المدير وحده، بل يحتاج دعما ومؤازرة وصلاحيات كافية في يده، تمكنه من استخدامها كقوة حاسمة.

فلا يمكن للمدير مهما كانت خبرته وكفاءته التعامل مع الصراعات الإدارية وهو مجرد من سلاح، وإذا كان الحديث عن صراع وقتال لا بد له من استخدام ما يعينه على تحقيق الانتصار والقضاء على كل خلاف، ثم حين تعود الحياة الطبيعية لمكان العمل، يكون لزاما عليه، وحقا للموظفين، العودة إلى الحوار والتواصل، والرجوع إلى ركن الحديث الإداري الراقي الجميل و ما أحلى الرجوع إليه.

@darifi_