جمال سلات

حاكم الظل.. إلى العلن

الثلاثاء - 07 أبريل 2020

Tue - 07 Apr 2020

"حكومة غير رسمية أعضاؤها ينتمون إلى أحزاب معارضة للحزب الحاكم، تراقب وتنقد عمل الحكومة الفعلية، وتطرح منظورها الخاص تجاه سياساتها، وتقدم نفسها كبديل"، هذا هو التعريف الكلاسيكي لحكومة الظل. وفي الواقع بريطانيا لديها المثال الأقدم والوحيد الناجح تقريبا في هذا المجال كتجربة أصلية أصيلة، ومع ذلك تأثير هذه الحكومة لا يكاد يذكر، فما بالك بمثيلاتها المقلدة والمزيفة على اختلاف درجات التقليد في كثير من الجمهوريات الأخرى!

لا أعتقد بعد هذه المقدمة أنكم ستظنون أنني سأتحدث عن حكومة الظل (المحمودة) هذه!

بعد الحرب العالمية الثانية، برزت أمريكا كالقوة الوحيدة المنفردة بالنصر على وجه الحقيقة، وأصاب الدمار الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي كل أنحاء العالم تقريبا، حتى الحلفاء (المنتصرين) في الحرب، ثم ما لبثت أن جاءت الاتفاقية العامة للتجارة (جات GATT) عام 1947 التي نظمت أسس التبادل التجاري الدولي، وبالتالي تنحي العائق الأساسي الذي كان يقف في طريق الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات ومثيلاتها العملاقة، خاصة في فترة ما بين الحربين، في سبيل محاولاتها مد أذرعها عالميا ومنافسة الشركات الوطنية في البلدان الأخرى التي كانت تساندها قوانين الجمارك والمنافسة في تلك الدول. وتبعتها الدفعة الأقوى لنشاط هذه الشركات سنة 1957 باتفاقية السوق الأوروبية المشتركة.

كانت هذه بدايات صعود الرأسمالية الحقيقية وتغولها اقتصاديا في القرن الماضي حتى الآن، ولحماية المصالح الضخمة هذه، كان لا بد من التزاوج مع السياسة، خاصة أن تلك الفترة رافقت انهيار أنظمة سياسية كثيرة واستقلال عديد من الدول، ولو كان هذا الاستقلال منقوصا أو مزيفا عن الدول الاستعمارية الكبرى.

حدث هذا التحالف غير المعلن - والمعلن أحيانا - بين هذه الشركات (رأس المال) والسياسيين كأفراد أو بعض الأحزاب، بحيث يدعم الطرف الأول السياسيين ماليا، ويسهل الطرف الثاني عمل الشركات سياسيا بالتأثير على الخطط الاقتصادية في دولهم، وهكذا تبادل الطرفان المنفعة على طول الخط، مما أدى إلى سطوة احتكارية هائلة لهذه الشركات على اقتصاديات العالم، خاصة في المجال الصناعي والحربي، أدت إلى تغولها لتصبح في النهاية حاكمة عالمية متوارية في الظل، أكثر قوة حتى من بعض الدول بكل ما تعنيه الكلمة.

مع ذلك لم يخل هذا التحالف من الاختلافات وتضارب المصالح، وكان يظهر ذلك على شكل أزمات اقتصادية أو سياسية في بعض الدول، خاصة بعض الجمهوريات المزيفة، وقد وصل الأمر أحيانا إلى اشتعال الحروب أو الغزو المعلن كما حصل في العراق، أو بالوكالة كما يحدث الآن في سوريا وليبيا.

لكن ظروف العزلة الدولية الحالية المستجدة، أظهرت الميل إلى التصرف بشكل مستقل في كل دولة أو على المستوى القومي على الأكثر، أضف إلى ذلك الكساد الاقتصادي والصناعي الناتج عن ذلك، الآتي لا محالة إذا استمرت هذه الأزمة أشهرا أخرى، كل هذا سيكون تأثيره مباشرا على حاكم الظل العالمي، وسيهدد وجوده بشكل مباشر.

في الحقيقة هذا ما دفع كثيرا من السياسيين والاقتصاديين الغربيين إلى القول إن العالم لن يعود أبدا إلى ما كان عليه قبل كورونا وتداعياته.

سيخرج حاكم الظل إلى العلن هذه المرة، لأن الضرر الذي سيلحق به لن ينفع معه استخدام الأدوات السابقة، سنشهد في الفترة القريبة المقبلة هزات سياسية عنيفة تفكك بعض الدول والاتحادات، وربما يصل الأمر إلى حروب جديدة، خاصة مع حالة عدم اليقين العالمية وضعف التنسيق الدولي إلى حد يشبه حالة العالم التي سادت بداية القرن العشرين، هذا كله يتوقف على مدى استمرار الأزمة الحالية.

@jamalsallat