"أعمدة التعافي": خارطة إعادة بناء الحياة البحرية على كوكب الارض بحلول 2050

دراسة دولية
دراسة دولية

الثلاثاء - 07 أبريل 2020

Tue - 07 Apr 2020

علماء بارزون من 4 قارات و10 بلدان و16 جامعة بقيادة كاوست يضعون خارطة الطريق من أجل ان تسترد الحياة البحرية في العالم عافيتها بحلول عام 2050.

في 2015 صدر تقريران مهمان حول التهديد الذي تواجهه الحياة البحرية حول العالم، أولهما التقرير السنوي الصادر عن هيئة الأرصاد وحماية البيئة السعودية، والذي حدد 8 أخطار رئيسة تهدد الحياة البحرية والساحلية على سواحل المملكة، سواء على البحر الأحمر أو على الخليج العربي، وهي: تدمير بيئات أشجار المانجروف وتدمير الشعاب المرجانية التي يعتمد عليها ثلاث أرباع الأسماك في الخليج، تلوث المياه والهواء، إلقاء النفايات على السواحل التي تعرض صحة السكان للخطر، ممارسات الصيد الجائر والرعي الجائر، عمليات الردم والتجريف. أما التقرير الثاني فقد صدر في العام نفسه عن الصندوق العالمي للطبيعة في سويسرا، والذي أشار إلى أن 50% من الحياة البحرية تعرضت لضربة مدمرة على مدى 40 عاما، ما بين 1970 و2012. ووفقا لهذا التقرير فإن أشجار المانجروف يتم فقدانها بمعدل أسرع مرتين إلى خمس مرات من الغابات، كما يتم فقدان الشعاب الاستوائية بمقدار النصف، ويمكن أن نفقدها كلية بحلول 2050.

في هذا الإطار رسمت دراسة دولية حديثة، بقيادة البروفيسور كارلوس دوارتي والبروفيسرة سوزانا أغوستي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، ونشرت أخيرا في مجلة "نيتشر"، خريطة طريق أساسية للإجراءات اللازمة، كي تتمكن الحياة البحرية على كوكب الأرض من استرداد عافيتها ووفرتها الكاملة بحلول 2050.

ويعمل في المشروع مجموعة من علماء البحار البارزين في أربع قارات وعشرة بلدان و16 جامعة، منها كاوست وجامعة أراهوس ومعهد ماساشوستس للتقنية وجامعة ولاية كولورادو وجامعة بوسطن والجامعة البابوية الكاثوليكية في تشيلي وجامعة السوربون في فرنسا وجامعة جيمس كوك وجامعة كوينزلاند وجامعة دلهاوزي وجامعة يورك.

أوضح البروفيسور كارلوس دوارتي، أستاذ علوم البحار في كاوست، وأستاذ كرسي طارق أحمد الجفالي لعلوم أحياء البحر الأحمر، بأن الوضع الحالي أصبح مقلقا، وأشار إلى أننا بلغنا منعطفا يجب أن نختار عنده بين محيطات قادرة على التكيف ونابضة بالحياة، ومحيطات لا يمكن إصلاحها. وأضاف بروفيسور دوارتي أن هذه الدراسة قد وثقت تعافي الأحياء والموائل والأنظمة البيئية البحرية في أعقاب إجراءات وتدابير عمليات الحفظ والحماية السابقة، كما قدمت توصيات محددة مدعمة بالأدلة للتوسع عالميا في الحلول التي أثبتت جدواها.

ورغم أن الإنسان قد أحدث تغييرات أضرت كثيرا بالحياة البحرية في الماضي، إلا أن الباحثين وجدوا أدلة على تمتعها بقدرة ملحوظة على التكيف، كما لاحظوا تطورا لافتا تمثل في نشوء اتجاه من خسائر حادة في الحياة البحرية طوال القرن العشرين إلى تباطؤ في هذه الخسائر. ليس هذا فحسب، فقد لوحظ ايضا أن الحياة البحرية قد تعافت خلال العقدين الأولين من القرن الـ21 في بعض الحالات.

وتسلط الأدلة التي توصل إليها العلماء إلى جانب حالات تعافي رائعة بوجه خاص، كالحيتان المحدبة، الضوء على إمكانية استعادة وفرة الحياة البحرية، مما يسهم في ظهور اقتصاد أكثر استدامة قائم على المحيطات.

وتفيد الدراسة بإمكانية التعجيل بتعافي الحياة البحرية، وإنجاز ذلك خلال عقدين أو ثلاثة لمعظم مكونات الأنظمة البيئية البحرية بشرط التصدي لتغير المناخ واتخاذ خطوات فعالة واسعة النطاق.

وأكدت البروفيسورة سوزان أغوستي، أستاذة علوم البحار في كاوست، أن البشرية تواجه تحديا هائلا، ولكن يمكن لها تجاوزه من خلال إعادة بناء الحياة البحرية، مما يمثل التزاما أخلاقيا وهدفا اقتصاديا ذكيا لتحقيق مستقبل مستدام.

أعمدة التعافي

حدد الباحثون عن طريق دراسة الأثر الذي أحدثته الإجراءات والتدابير الناجحة السابقة التي اتخذتها الدول والمجتمعات للحفاظ على المحيطات، إضافة إلى اتجاهات التعافي، تسعة عناصر جوهرية لبناء ما يلي: الحياة البحرية، المستنقعات المالحة، المانغروف، الأعشاب البحرية، الشعاب المرجانية، المحاريات، مصائد الأسماك، الحيوانات الضخمة، أعماق البحار.

كما أوضحت الدراسة أن تحقيق الهدف المنشود يجب أن يمر من خلال ست عمليات تكاملية تدعى "أعمدة التعافي"، وهي إجراءات محددة في إطار مواضيع عامة تشمل: حماية الأجناس البحرية وترشيد استغلال الثروات البحرية وحماية المساحات وإصلاح الموائل وخفض التلوث والتخفيف من تغير المناخ.

وتنطوي الإجراءات الموصى باتخاذها على فرص وفوائد وعقبات محتملة وإجراءات علاجية، مما يرسم خريطة طريق ملموسة لتوفير محيطات معافاة قادرة على تأمين منافع هائلة للبشرية ولكوكب الأرض.

ويشير الباحثون إلى أنه إذا تم تفعيل "أعمدة التعافي" كلها على نطاق واسع، وفي ضوء المدد الزمنية التي استغرقها تعافي الحياة البحرية المتضررة سابقا، فمن الممكن استعادة وفرة الحياة البحرية خلال جيل بشري واحد أو خلال عقدين إلى ثلاثة عقود، أي بحلول 2050.

وكان التخفيف من تغير المناخ بخفض انبعاثات غازات الدفيئة من أهم عناصر النجاح التي حددت، إذ أن الآثار الناجمة عن تغير المناخ الذي حدث سابقا، والتي لم يكن مفر منها، حدت من المجال المتاح لإعادة بناء الشعاب المدارية، مما أعاق تعافيها الكامل. وتشير الدراسة إلى أنه من غير الممكن استعادة وفرة الحياة البحرية، إلا إذا تحققت الأهداف الأكثر طموحا في اتفاقية باريس. وجدير بالذكر فإن الـ194 دولة التي وقعت على اتفاق "باريس للمناخ 2015"، قد تعهدت على جملة من الإجراءات والقرارات المتعلقة بالمناخ، أبرزها حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون درجتين مئويتين، قياسا بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ"متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1,5 درجة مئوية"، وهذا يفرض تقليصا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.

وإلى ذلك فالنجاح يعتمد إلى حد كبير على الدعم الذي تقدمه شراكة عالمية ملتزمة وقادرة على الصمود بين الحكومات والمجتمعات المؤيدة لهذا الهدف. ويتطلب النجاح التزاما جوهريا بتقديم الموارد المالية، ولكن هذه الدراسة الحديثة كشفت عن أن المكاسب الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية لإعادة بناء الحياة البحرية لن تكون سريعة وآنية وإنما على المدى البعيد.

وتأتي الدراسة في وقت تتولى المملكة سدة الرئاسة لمجموعة العشرين وتقود شركاءها في المجموعة لوضع منهجيات جديدة، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على التنوع الحيوي ما بعد 2020، وإعداد خطة عملية للتصدي للتحديات المناخية وحماية الشعاب المرجانية وغيرها من الأنظمة البيئية التي يسهل تعرضها للضرر.

واختتم البروفيسور دوراتي حديثه قائلا: لدينا نافذة أمل ضيقة لنخلف لأحفادنا محيطات معافاة، ولدينا المعرفة والأدوات اللازمة لذلك، لذا فإن الإخفاق في مواجهة هذا التحدي، والحكم على أحفادنا بمحيطات ضعيفة عاجزة عن دعم سبل عيش عالية الجودة ليس خيارا.