طارق جابر

عالم الفيروسات

الخميس - 02 أبريل 2020

Thu - 02 Apr 2020

عندما تمخض عن أعمال إدوارد جنر ومن بعده لويس باستور في القرن التاسع عشر إنتاج أول اللقاحات ضد الأمراض الفيروسية، لم يكن يخطر ببالهما وجود الفيروسات أصلا. حتى عندما أسفرت تجارب العلماء ماير ثم إيفانسكي عن إثبات أن هناك شيئا ما يسبب مرض أوراق التبغ، وأن هذا الشيء معد وغير بكتيري لم يستطيعا تحديد ماهيته، إلى أن جاء العالم بيجيرنك بعد 6 سنوات وأثبت أنه جزيئات غير مرئية معدية، وأطلق عليها وللمرة الأولى اسم (فيروس)، المشتق من كلمة (سُم) باللاتينية.

ومن هنا فُتح باب جديد أدى في بداية القرن العشرين إلى تحديد أن الحمى الصفراء يسببها فيروس ينقله البعوض، ثم تلا ذلك اكتشاف مزيد من الفيروسات، إلى أن كانت الخطوة الكبيرة عام 1931باختراع المجهر الالكتروني ثم رؤية الفيروسات للمرة الأولى. فما هي هذه المخلوقات؟

الفيروسات وتسمى الحُمات هي جزيئات حيوية متناهية الصغر، أصغر مئة مرة من البكتيريا في المتوسط، ولا يمكن رؤيتها بالمجهر الضوئي، وتتكون من مورث (حمض جيني DNA أو RNA) محاط بغلاف بروتيني للحماية، وأحيانا بغلاف دهني أيضا، وهي بذلك أعلى مرتبة من أشباه الفيروسات والبريونات، حيث تفتقد الأولى للغلاف والثانية للمورث.

والفيروسات لا تعد كائنات حية مستقلة بحسب التعريف، وإن كانت تحتوي على جينات ولها القدرة على التطور، إلا أنها ليس لها خلية، وهي غير قابلة للتكاثر والبقاء خارج الخلايا الحية لمخلوق آخر، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا، بل حتى إنها تصيب البكتيريا.

يعتقد أن الفيروسات أكثر مسببات الأمراض وجودا على سطح الأرض، وأن هناك ملايين الأنواع منها، ولم يتم التعرف إلا على 5 آلاف نوع منها فقط، واختلف العلماء في عمرها وأصلها وتكونها، ووضعوا لذلك بعض الفرضيات والنظريات.

تختلف الفيروسات من حيث نوع المورث سواء DNA أو RNA، وتختلف في الحجم وفي الشكل والخصائص، وقد صنفها العلماء إلى رتب وفصائل وأنواع عدة. يعتمد تكاثر الفيروس على خطوات تبدأ بارتباطه بالخلية المناسبة له، ثم اقتحامها والدخول إليها، ثم التحرر من الغلاف والبدء في التناسخ، وبعدها يحدث التحرر من الخلية نفسها بعد مقتلها وتحطم جدارها. بعض الفيروسات لها القدرة على البقاء كامنة داخل الخلايا لفترات طويلة جدا دون أن تؤثر على نشاط الخلية المضيفة.

الفيروسات تصيب جميع الخلايا الحية، ومنها خلايا الإنسان، وتسبب قائمة طويلة من الأمراض كالتهاب الكبد الوبائي ومرض نقص المناعة الإيدز وشلل الأطفال والزكام وغيرها، بل إن أنواعا منها تتسبب في حدوث أنواع من السرطان، كسرطان عنق الرحم، ونظرا لطبيعتها المعدية فقد تسببت بكثير من الأوبئة والجوائح على مر التاريخ، كالإنفلونزا الإسبانية والإيبولا وحمى الضنك وسارس وأخيرا الكورونا.

تنتقل الفيروسات عموديا من الأم إلى الأبناء، وأفقيا بين الناس عن طريق جميع أنواع العدوى، من الأكل إلى التنفس وحتى بالحشرات.

والفيروسات لا تعالج بالمضادات الحيوية، بل بمضادات الفيروسات أحيانا أو بطرق أخرى. الجيد أن هناك لقاحات لكثير من أنواعها، والعلماء يعملون على إيجاد أمصال ضد مزيد من الأمراض الفيروسية كالإيدز والكورونا.

drtjteam@