محمد معيض القحطاني

ذيل إبليس

الأربعاء - 01 أبريل 2020

Wed - 01 Apr 2020

البراء والبندري وسلطان ولينا وعبدالعزيز وسارة وفهد، لطالما صالوا وجالوا في منزل والدي العامر يملأ إزعاجهم وصراخهم ردهات المنزل وجوانبه، ضاربين عرض الحائط وعيد أمي ونذيرها وعقابها لهم أحيانا، وها نحن اليوم في غاية الشوق لإزعاجهم وصراخهم لأنهم لزموا بيوتهم والتزموا بأمر خادم الحرمين الشريفين وتوجيهات الجهات الحكومية المعنية بمكافحة تفشي فايروس كورونا المستجد COVID-19.

ولد في أقصى العالم شرقا وسرى في الأرض كما تسري النار في الهشيم، حتى أصبح اليوم الهاجس الأكبر للسلطات في الولايات المتحدة في أقصى العالم غربا، أصاب أكثر من نصف مليون شخص، وفتك بنحو 44 ألف شخص والأرقام في تزايد مخيف، بينما يتابع البقية من سكان الأرض تطورات الأوضاع عن بعد وعن كثب.

أوقفت العمرة وعلقت الجمع والجماعات وأقفلت الحدود وعلقت الدراسة وفرض حجر التجول وأعلنت حالات الطوارئ القصوى في أرجاء المعمورة، منعنا من السلام وحرمنا اللقاء خوفا من الوباء، خلت السماء من الطائرات والطرق من السيارات وتوقفت القطارات والحافلات وفوض الأمر لرب السماوات.

المولى عز وجل لا يقدر شرا محضا أبدا، والخير يأتي بين ثنايا الشر وفي المحن تظهر المعادن، وفي الملمات يظهر أهل المهمات وعند الكرب والبلاء تمحص الذنوب وتزيد الحسنات.

الفايروس الصغير الخطير أثبت لنا بعض الحقائق والمسلمات وعلمنا كثيرا من الدروس والعظات وكشف لنا بعض الخبايا والمؤامرات وأضاء لنا بعض الإضاءات.

- سماحة الدين الإسلامي واستدامته لكل الأزمان والأحوال، وكذلك عنايته بالإنسان فنحن معشر المسلمين مأمورون من رب العباد جل في علاه بحفظ النفس وعدم تعريضها للهلاك، قال تعالى «وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين»، كما أمرنا بتناول الطيب من الطعام والشراب وبطهارة البدن والثياب والاستعاذة من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام، كما ثبت للعالم كافة ضعف الإنسان وقلة حيلته أمام ذلك الفايروس، وحاجتهم للتكاتف والتعاضد فالجميع تجاهل أساطيله وجيوشه وتناسى تهديداته ووعوده وتحدث عن أهمية التعاون والتنسيق الدوليين!

- التاريخ المجيد يصبح عبئا ومعول هدم إذا لم يسر الأبناء على خطى الآباء والأجداد، كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي التي فشلت في احتواء الفايروس وأصبحت بؤرة الوباء ومركزا لإعادة تصديره لكل دول العالم، بينما استطاعت الصين التغلب عليه وعادت الحياة إلى مدنها ورفعت الحظر عن مدينة ووهان مسقط رأس الوباء، بفضل الكريم المنان ثم بفضل الصناعة التي تحيا بها الأوطان وتسود بها البلدان.

-القيادة الحكيمة للأزمة والاستفادة من التجارب الناجحة وأخذ الخطوات الاستباقية وعدم إضاعة الوقت والعناية بالإنسان، بغض النظر عن التكلفة والأعباء، إضافة إلى تكاتف الجهات المعنية وتضافر جهودها واختزال إجراءاتها وسرعة تطبيق توصياتها؛ جعلت المملكة العربية السعودية تعطي دروسا عالمية وتحقق نتائج تاريخية في محاربة الفايروس ومنع تفشيه.

- عقدت قمة العشرين وعملت الحكومات وكبريات الشركات عبر شبكة الانترنت وعن بعد، وبفضل الله نجحت القمة وأبهرت المملكة العربية السعودية العالم واهتمت الحكومات بشعوبها، وتدابير وزاراتها وأتمت الشركات أعمالها وأنجزت صفقاتها. تجربة فريدة أظهرت للعالم جدواها في حفظ الوقت وتسريع الأعمال وتقليل النفقات، وسنرى والعلم عند الله نشاطا مطردا للعمل عن بعد في المستقبل القريب، وظهور مواد أولية مضادة للفيروسات تصنع منها الأسطح والمقابض والسلالم، خاصة في المستشفيات والمدارس والمرافق، ونموا هائلا في قطاع الأبحاث والصناعات الطبية.

ذيل إبليس من وجهة نظر والدتي هو ذلك الطفل الذي يقود أقرانه خفية وخلسة للإزعاج والتخريب في بيتها، ومن وجهة نظر والدي هو من يسمع ويرى التحذيرات والتنبيهات وإرشادات الوقاية ضد الفايروس ولا يلتزم بها، متجردا من مسؤوليته الدينية والوطنية والإنسانية، بينما إبليس بشحمه ولحمه هو ذلك المسرف الذي يخفي سفره ومرضه ويتجول في الطرقات ويختلط بعامة الناس رغم ظهور بعض الأعراض عليه أو ثبوت حمله للفايروس متسلحا بالجهل والضلال.