إفطار رمضاني بالمسجد النبوي الشريف
السوق
السوق
الاثنين - 27 يونيو 2016
Mon - 27 Jun 2016
يقول أبو هريرة، رضي الله عنه: كان الناس إذا رأوا أول التمر جاؤوا به النبي، عليه الصلاة والسلام، فإذا أخذه رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، قال «اللهم بارك لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدّنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه»، ثم يدعو أصغر وليد يراه، صلى الله عليه وسلم، فيعطيه ذلك التمر.
وسبحان الله الذي أكرمني بالإفطار عند المواجهة الشريفة تلبية لدعوة أناس من أهل الخير، يستضيفون الكل ويدعون الكل، لا فرق بين غني وفقير. وقد يستغرب المرء.. كيف لهذا المكان الضيق أن يستوعب هذه الأعداد الكبيرة في رمضان، والمسجد النبوي الشريف، على صاحبه الصلاة والسلام، تحتضن جنباته الآلاف المؤلفة. ولا أبالغ إن قلت إن فيه وحوله ما لا يقل عن مليون مسلم، خاصة وقت الإفطار..
كيف يتم إعداد هذه السُفر بأنواع التمور المدنية من العجوة والعنبرة والبرني، وكيف تصل - الحيصة - وهى تمر مع الدخن أو الجبنة، والتي تتقن سيدات المدينة الفاضلات صنعها بشكل رائع، وكيف للدُقَّة المدينية التي لا تُقاوم أن تحيط بالسُفَر؟
وكيف يمكن في دقائق معدودة وفي وقت ضيق ومكان ضيق مساحة - لكنه من أرحب بقاع الدنيا للمؤمنين - كيف يمكن لهذه الأعداد أن تفطر معا في لحظة واحدة، وخلال خمس دقائق توضع السُفر ومن ثم تُطوى في نظام بديع لا يحدث إلا هنا.
ثم سبحان الله.. من قَدَّر لهذه الجموع أن تتراص كالبنيان خلف الإمام لتركع وتسجد في انتظام في لحظات.
ما أروع البركة حين تلمسها بيدك، وما أعظمها حين تراها أمام عينيك، وهى تؤكد دعاءه، عليه الصلاة والسلام، لمدينته المنورة، أحب البقاع إلى الله، ولولا فضل تضعيف الصلاة في المسجد الحرام على ما سواه.. لبزّت المدينة مكة في البركة وفي الفضل.
ورغم مكّيتي التي أعتز بها وأشرُفُ، إلا أنني أعترف صادقا بأن ما أشعر به من طمأنينة وخشوع ورهبة في المدينة المنورة يزيد على إحساسي بها في أي مكان آخر. وكنت مع والديَّ وأبنائي أُفضِل قضاء العشرة الأخيرة من رمضان في ربوع المدينة المنورة.. خاصة قبل أن يبلغ الزحامُ فيها مبلغه.. إن إحساس السكينة الذي يلازمني في مدينة الحبيب، عليه الصلاة والسلام، إحساس لا يمكن وصفه ولا يمكن تصويره.
وكنت عادة ما أصطحب ولدي عبدالله معي ورحيمي الأخ حامد فايز في صلاة التراويح والتهجّد.. وسألني ذات مرة مندهشا: ما الذي يبكيكم في صلاتكم لهذه الدرجة، فأجبته: إنه الخوف من الله يا عبدالله. قال ببراءة الأطفال: لكن أنا ما بكيت. قلت له وأنا أغالب دموعي: يا ولدي غدا تكبر، إن شاء الله، وتخافه وترجوه وتتقيه. وكم مرة أرسلت عبدالله «يشحت» لي دُقّة من الجيران قبل أن ننزل للفطور في المدينة المنورة، وكانوا يقدمونها لنا عن طيب خاطر وبحب لا يُنكَر على أهل المدينة المنورة.
واليوم ومع انطلاق الرؤية السعودية 2030، والتي أطلقت فكرة السياحة العامة اعتمادا على ما تَزخُر به بلادنا المقدسة بالكثير من التاريخ والمواقع الأثرية.. وكم هو رائع أن يتم اختيار مدينة الرسول، عليه الصلاة والسلام، وعاصمة الإسلام الأولى، التي انطلقت منها مواكب الخير تبني حضارة خالدة وتؤسس لدولة مدنية رائدة، أن يتم اختيارها موقعا للمتحف الإسلامي الكبير.. والذي سيحوي إلى جانب تراثنا الإسلامي تراث الحضارة العربية الخالدة، فجزيرة العرب هي مهد العروبة وموطن الأمجاد والفخار.
نعم إن في كل درب مشى عليه رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الكرام رضوان الله عليه، قصة حانية وحكاية باقية.. وعلى كل جبل ورابية مشهدا بإمكاننا أن نعيد تجسيده للدنيا مرة أخرى. وكم أتخيل لو شَهِد جبل أُحُد عرضا بالصوت والضوء، وشهدت تلك المعركة الفاصلة في تاريخ البشرية كلها عرضا مماثلا وكذلك الخندق وغيرها من المواطن التي نَصَر الله فيها عباده المؤمنين، وكانت شاهدة على أن الله ناصر من ينصره وأنه هو العزيز الحكيم.
إن لدينا مدينتين كلُّ حجر بهما فيه أثَر وكل زاوية بها الكثير من العِبر.. مكة المكرمة والمدينة المنورة. يحكي لي أحد الأصدقاء أن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين - يرحمه الله - حين كان وزيرا للتربية والتعليم في مصر، جاء في زيارة للعمرة إلى المملكة العربية السعودية وكان يرافقه أحد رجالات التربية والتعليم - وزارة المعارف - وبينما هما في السيارة في الطريق إلى مكة المكرمة لأداء المناسك.. سأل العميد مرافقه: أين نحن الآن؟ فأجابه الأستاذ عبدالله المنيعي، يرحمه الله: نحن في الحديبية. فصاح طه حسين: أوقف السيارة بالله عليك.. وخذني إلى الموقع أمشي على قدمي.. علّ قدمي تُصيب حصاة لامست قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلّم.
إن التاريخ الممتد على هذه الأرض المباركة والذي هو مصدر فخر وعزّ أبناء المملكة العربية السعودية والعرب والمسلمين، حري به أن يكون في عين هذه الرؤية المباركة ليس فقط كمصدر للدخل وتفعيل حركة السياحة، ولكن كمصدر حي لبعث وصيانة التاريخ المجيد لأبنائنا الذين تنظم بعض أسرهم الرحلات الخارجية في أنحاء الدنيا لزيارة معالم ومتاحف الغرب، وفي بلادهم كنز لو علم عنه الغرب لأتاه زحفا.. فهم يدركون أن حضارتنا الإسلامية هي مشكاة حضارتهم الأولى، وهي المِشعل الذي أضاء لهم عصور الظلام الحالكة. بالفعل كم نحن في حاجة إلى تفعيل هذه الزاوية الرائعة في الرؤية الرائدة لتستعيد العيون صور المجد الخالد وسجل البطولات والنخوة والأصالة.. ولنعود مصدرا للإشعاع بدلا من أن نبقى في حالة انبهار دائمة بحضارة الآخرين.
أسأل الله أن يسدد على دروب العزّة والمجد كل الخطى.. وأن يحفظ لنا مليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين.. الذي يزور هذه الأيام مدينة الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، ويتشرف بالسلام على الحبيب.. وقد آثر، يحفظه الله، أن يغادر مطار المدينة المنورة متوجّها رأسا إلى المسجد النبوي الشريف.. تأكيدا للسنة الحميدة لملوكنا الأبرار في الزيارة وتفقد طيبة الطيبة أرضا وسكانا، وكلنا يعلم ما تحتله مكة المكرمة والمدينة المنورة من قدسية ومكانة في قلبه الكبير، رعاه الله، وحفظ لنا ولي عهده الأمين وولي ولي العهد المحبوب، رعاهم الله وأعانهم على تحقيق آمالهم وأمانينا وما يصبو إليه العرب والمسلمون لرفعة وعزّ الإسلام والمسلمين. إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
وسبحان الله الذي أكرمني بالإفطار عند المواجهة الشريفة تلبية لدعوة أناس من أهل الخير، يستضيفون الكل ويدعون الكل، لا فرق بين غني وفقير. وقد يستغرب المرء.. كيف لهذا المكان الضيق أن يستوعب هذه الأعداد الكبيرة في رمضان، والمسجد النبوي الشريف، على صاحبه الصلاة والسلام، تحتضن جنباته الآلاف المؤلفة. ولا أبالغ إن قلت إن فيه وحوله ما لا يقل عن مليون مسلم، خاصة وقت الإفطار..
كيف يتم إعداد هذه السُفر بأنواع التمور المدنية من العجوة والعنبرة والبرني، وكيف تصل - الحيصة - وهى تمر مع الدخن أو الجبنة، والتي تتقن سيدات المدينة الفاضلات صنعها بشكل رائع، وكيف للدُقَّة المدينية التي لا تُقاوم أن تحيط بالسُفَر؟
وكيف يمكن في دقائق معدودة وفي وقت ضيق ومكان ضيق مساحة - لكنه من أرحب بقاع الدنيا للمؤمنين - كيف يمكن لهذه الأعداد أن تفطر معا في لحظة واحدة، وخلال خمس دقائق توضع السُفر ومن ثم تُطوى في نظام بديع لا يحدث إلا هنا.
ثم سبحان الله.. من قَدَّر لهذه الجموع أن تتراص كالبنيان خلف الإمام لتركع وتسجد في انتظام في لحظات.
ما أروع البركة حين تلمسها بيدك، وما أعظمها حين تراها أمام عينيك، وهى تؤكد دعاءه، عليه الصلاة والسلام، لمدينته المنورة، أحب البقاع إلى الله، ولولا فضل تضعيف الصلاة في المسجد الحرام على ما سواه.. لبزّت المدينة مكة في البركة وفي الفضل.
ورغم مكّيتي التي أعتز بها وأشرُفُ، إلا أنني أعترف صادقا بأن ما أشعر به من طمأنينة وخشوع ورهبة في المدينة المنورة يزيد على إحساسي بها في أي مكان آخر. وكنت مع والديَّ وأبنائي أُفضِل قضاء العشرة الأخيرة من رمضان في ربوع المدينة المنورة.. خاصة قبل أن يبلغ الزحامُ فيها مبلغه.. إن إحساس السكينة الذي يلازمني في مدينة الحبيب، عليه الصلاة والسلام، إحساس لا يمكن وصفه ولا يمكن تصويره.
وكنت عادة ما أصطحب ولدي عبدالله معي ورحيمي الأخ حامد فايز في صلاة التراويح والتهجّد.. وسألني ذات مرة مندهشا: ما الذي يبكيكم في صلاتكم لهذه الدرجة، فأجبته: إنه الخوف من الله يا عبدالله. قال ببراءة الأطفال: لكن أنا ما بكيت. قلت له وأنا أغالب دموعي: يا ولدي غدا تكبر، إن شاء الله، وتخافه وترجوه وتتقيه. وكم مرة أرسلت عبدالله «يشحت» لي دُقّة من الجيران قبل أن ننزل للفطور في المدينة المنورة، وكانوا يقدمونها لنا عن طيب خاطر وبحب لا يُنكَر على أهل المدينة المنورة.
واليوم ومع انطلاق الرؤية السعودية 2030، والتي أطلقت فكرة السياحة العامة اعتمادا على ما تَزخُر به بلادنا المقدسة بالكثير من التاريخ والمواقع الأثرية.. وكم هو رائع أن يتم اختيار مدينة الرسول، عليه الصلاة والسلام، وعاصمة الإسلام الأولى، التي انطلقت منها مواكب الخير تبني حضارة خالدة وتؤسس لدولة مدنية رائدة، أن يتم اختيارها موقعا للمتحف الإسلامي الكبير.. والذي سيحوي إلى جانب تراثنا الإسلامي تراث الحضارة العربية الخالدة، فجزيرة العرب هي مهد العروبة وموطن الأمجاد والفخار.
نعم إن في كل درب مشى عليه رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الكرام رضوان الله عليه، قصة حانية وحكاية باقية.. وعلى كل جبل ورابية مشهدا بإمكاننا أن نعيد تجسيده للدنيا مرة أخرى. وكم أتخيل لو شَهِد جبل أُحُد عرضا بالصوت والضوء، وشهدت تلك المعركة الفاصلة في تاريخ البشرية كلها عرضا مماثلا وكذلك الخندق وغيرها من المواطن التي نَصَر الله فيها عباده المؤمنين، وكانت شاهدة على أن الله ناصر من ينصره وأنه هو العزيز الحكيم.
إن لدينا مدينتين كلُّ حجر بهما فيه أثَر وكل زاوية بها الكثير من العِبر.. مكة المكرمة والمدينة المنورة. يحكي لي أحد الأصدقاء أن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين - يرحمه الله - حين كان وزيرا للتربية والتعليم في مصر، جاء في زيارة للعمرة إلى المملكة العربية السعودية وكان يرافقه أحد رجالات التربية والتعليم - وزارة المعارف - وبينما هما في السيارة في الطريق إلى مكة المكرمة لأداء المناسك.. سأل العميد مرافقه: أين نحن الآن؟ فأجابه الأستاذ عبدالله المنيعي، يرحمه الله: نحن في الحديبية. فصاح طه حسين: أوقف السيارة بالله عليك.. وخذني إلى الموقع أمشي على قدمي.. علّ قدمي تُصيب حصاة لامست قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلّم.
إن التاريخ الممتد على هذه الأرض المباركة والذي هو مصدر فخر وعزّ أبناء المملكة العربية السعودية والعرب والمسلمين، حري به أن يكون في عين هذه الرؤية المباركة ليس فقط كمصدر للدخل وتفعيل حركة السياحة، ولكن كمصدر حي لبعث وصيانة التاريخ المجيد لأبنائنا الذين تنظم بعض أسرهم الرحلات الخارجية في أنحاء الدنيا لزيارة معالم ومتاحف الغرب، وفي بلادهم كنز لو علم عنه الغرب لأتاه زحفا.. فهم يدركون أن حضارتنا الإسلامية هي مشكاة حضارتهم الأولى، وهي المِشعل الذي أضاء لهم عصور الظلام الحالكة. بالفعل كم نحن في حاجة إلى تفعيل هذه الزاوية الرائعة في الرؤية الرائدة لتستعيد العيون صور المجد الخالد وسجل البطولات والنخوة والأصالة.. ولنعود مصدرا للإشعاع بدلا من أن نبقى في حالة انبهار دائمة بحضارة الآخرين.
أسأل الله أن يسدد على دروب العزّة والمجد كل الخطى.. وأن يحفظ لنا مليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين.. الذي يزور هذه الأيام مدينة الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، ويتشرف بالسلام على الحبيب.. وقد آثر، يحفظه الله، أن يغادر مطار المدينة المنورة متوجّها رأسا إلى المسجد النبوي الشريف.. تأكيدا للسنة الحميدة لملوكنا الأبرار في الزيارة وتفقد طيبة الطيبة أرضا وسكانا، وكلنا يعلم ما تحتله مكة المكرمة والمدينة المنورة من قدسية ومكانة في قلبه الكبير، رعاه الله، وحفظ لنا ولي عهده الأمين وولي ولي العهد المحبوب، رعاهم الله وأعانهم على تحقيق آمالهم وأمانينا وما يصبو إليه العرب والمسلمون لرفعة وعزّ الإسلام والمسلمين. إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.