مرزوق تنباك

عام الخوف

الثلاثاء - 24 مارس 2020

Tue - 24 Mar 2020

كان الأولون من العرب يؤرخون بالأحداث الكبيرة والكوارث والنوازل التي تحدث في سنة من السنين، فيسمون السنة بما حدث فيها من أحداث جسام، سواء كانت تلك الأحداث جوائح طبيعية أو بشرية، ولكن يعتري تلك التسميات القديمة للكوارث نقص كبير لأنها لا تعم الناس كافة.

ولكل إقليم أو منطقة من المناطق أو دولة من الدول تسمية خاصة بها، لما واجهت من كوارث لم تحدث إلا عندها ولم يعرفها غيرها، ولهذا يعتري النقص التسميات القديمة للأحداث الضخمة المحلية، مما يقلل من الاعتماد عليها بصفتها محدودة مهما كانت قسوتها وفظاعة ما حدث فيها.

وقد تنبه إلى هذا المعنى المحدود كبير المحققين والمؤرخين المعاصرين الدكتور فائز البدراني، عندما ألف كتابا مهما في التسميات المحلية التي تؤرخ الفواجع والكوارث حين تصيب الناس في الماضي غير البعيد، وسميت بالأحداث التي حدثت بها بدل التاريخ المعتمد والرسمي حتى مع انتشار القراءة والكتابة، وذكر في كتابه عددا من التسميات للحادثة الواحدة أو للجائحة التي كانت في الحقب الماضية، حتى في جاهلية العرب قبل الإسلام كانت الحروب والغزوات هي أكبر الكوارث التي يتذكرونها في حياتهم، وقد أرخوا تلك الحروب والغزوات وسموها بأيام العرب وألفت بها كتب كثيرة.

ولا أظنه حدث في تاريخ البشرية من حيث العموم والشمول والاتفاق في وقت واحد ما حدث ويحدث هذه الأيام من وباء كورونا، ورهبة الناس منه وحيرتهم في مواجهته، هذا الوباء الذي أصاب العالم كله وانتشر في عرض الكرة الأرضية وطولها، ولم تسلم منه دولة ولا جماعة في البر والبحر، وفي غضون شهرين أو ثلاثة أصبح وباء في كل أرض، الأمر الذي لم يحدث مثله من قبل، ثم الرعب والهلع اللذين صاحبا حدوثه حتى لكأن الأرض ومن عليها أصبحت في قبضة الموت الزؤام.

في أسبوع واحد تقطعت السبل وحبس سكان المعمورة في منازلهم ومنعوا من العمل والحركة، وتوقفت وسائل المواصلات والتنقلات بأنواعها من جوية وبحرية وبرية، وانقطعت السبل بالمسافرين، ولم تعد دولة تتصل بدولة ولا جماعة تخالط جماعة.

هذا الهلع والرعب الذي عم وطم غير المسبوق في التاريخ وغير مبرر أيضا كما يقول المختصون، لأن الفيروس قد عرف وعرفت أسبابه وحددت نوعيته، وهو ليس مخيفا يجعل الهلع والرعب منه مبررا، فنسبة الوفيات منه قليل جدا إذا قورن ببعض الأمراض التي كانت في السابق تفتك بالعالم، مثل الجدري والكوليرا وغيرهما من الأوبئة المميتة، ومع خطورتها لم تحدث تلك الأمراض خوفا مثلما أحدثه كورونا في عمومها لكل من يعيش على سطح الكرة الأرضية.

والفارق الذي يبرر ما أصاب الناس من الخوف، هو أولا سرعة انتشاره، حيث يقول المختصون إنه يفوق في سرعة العدوى كل ما عرف قبله من الأمراض المعدية، هذه حقيقة توجب الحذر الشديد وهو حذر مشروع إلى حد ما، وإن صح الحذر والاحتياط فإنه لا يصح الرعب والخوف الذي أربك حياة الناس وعطل مصالحهم، وأحدث ما هو أشد من المرض نفسه.

لا شك أن هذا العام لن يؤرخ له بعام 2020، ولا بأي تاريخ آخر، ولكنه سيؤرخ له ويعرف عند الناس بعام الخوف والهلع من كورونا، ولعل هذا الحادث الذي فاجأ البشر سيتمخض عن أسباب الأمن الحقيقي حتى لا تصاب الإنسانية بمثله مستقبلا، ويتحول الخوف إلى أمن إذا اتبعت أسبابه على حد قول المتنبي:

وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى

ولا الأمن إلا ما يراه الفتى أمنا.

ويا أمان الخائفين.