جمال سلات

كوفيد العنيد وركننا الشديد!

السبت - 21 مارس 2020

Sat - 21 Mar 2020

بعد طوفان الأخبار والفيديوهات والتحليلات والتنبؤات حول كورونا المستجد، رشح في الفهم العام لدى الأسوياء من الخلق أن هذا الوباء شرس جدا وعنيد، حتى إن الصينيين الذين تلقوا الضربة الأولى منه أسموه (الشيطان الخبيث)، وتبين أيضا أنه يعيش مع الجهل وينتشر ويتغوّل مع الإهمال.

جاءت الموجة الإعلامية الأولى عن المرض عالية هادرة، وحاول ركوبها كثيرون من أصحاب الأيديولوجيات الدينية والسياسية، ومن مدعي الفهم في كل شيء حتى الضرب بالرمل وقراءة الكف والتنجيم، وكذلك منظري وأتباع نظرية المؤامرات الاقتصادية والسياسية وحتى الماسونية العالمية، ولا ننسى المرتزقة المتعيشين على عدد المشاهدات والإثارة الفارغة من أي شيء سوى التفاهة، كل هؤلاء حاول شد البساط إليه لعله يكسب أو يظهر أكثر. لكن هذا الفيروس كان جامحا بما يكفي ليرمي كل هذا الغثاء عن ظهره، ويمضي في هجومه الشامل على كل الدول.

كل ما سبق يمكن فهمه في إطار المنفعة الشخصية للأفراد، لكن ما لا يمكن استيعابه هو الخطاب الرسمي في بعض الدول والحكومات، حتى على مستوى الرؤساء، والذي حاول تجيير الزخم الإعلامي العالمي عن هذا الوباء لتحقيق انتصارات انتخابية أو حزبية أو سياسية، من خلال بيع الوهم للناس، من قبيل إيجاد علاجات وبدء تطبيقها، وكأنهم قاب قوسين أو أدنى من إيجاد اللقاح السحري، ومحاولة استثمار هذه الدعاية الخسيسة الخبيثة لرفع أسهمهم.

انتهت مرحلة الصدمة الأولى، ووجدنا أنفسنا أمام أمر واقع ومواجهة مصيرية مع عدو شرس نعلم عنه قليلا ونجهل الكثير. هذه الفترة عصيبة جدا، فهي مواجهة حقيقية مع الموت.

لكن كيف يمكن أن نواجه هذا التحدي الوجودي؟ وهل لدينا القدرة على ذلك؟

الحقيقة الواضحة تقول إنه لا دواء حتى الآن يشفي من هذا الوباء بشكل مباشر، والمواجهة تنحصر في الوقاية ومحاولة حصر المرض، والحجر الصحي على الحالات المشتبه بإصابتها، وقد تعاملت المملكة مع الواقع منطلقة من هذه الحقيقة، ولا يخفى على أحد الخطوات المتوازنة والصارمة التي اتخذتها، دون إفراط ولا تفريط، ممثلة بالحكومة والجهات المسؤولة في هذا المجال، ويقع على عاتقنا أن نعمل بشكل متناغم مع جهودها لننجو جميعا.

علينا أن نكون عاقلين ومسؤولين، كما كانت حكومتنا عاقلة ومسؤولة، فلا نأخذ المعلومات إلا من مصادرها الرسمية، وألا نسمع إلا للأطباء والمختصين والعلماء في هذا المجال، نأخذ بإرشاداتهم ونستقي منهم المعلومات الصحيحة التي تساعدنا على حماية أنفسنا والمجتمع.

لا أحد بمنأى عن سطوة هذا الفيروس، ويجب أن نعامل المهملين وغير المنضبطين كشركاء لهذا الوباء في قتل الناس، الآن نحن أمام مسؤولية وطنية تتمثل في التعامل بالتوازي مع الجهود الحكومية في هذه الحرب، فإما أن نكون أو لا نكون، ويجب أن نمارس الرقابة المجتمعية على المخالفين للتعليمات، كل بمن هم تحت مسؤوليته، إذ لا مجال للاجتهادات الخاطئة تحت ادعاء الحرية الشخصية، فنحن جميعا في مركب واحد.

أما الجهات الإعلامية المسؤولة، فعليها أن تضبط الحملات التوعوية والإخبارية على السوشال ميديا، بأن تكون موجهة ومقننة ومستندة على أسس إعلامية صحيحة ومعلومات صحية رسمية لا مجال فيها للاجتهاد، خاصة من قبل المشاهير، مع ضرورة شمول ذلك لمشاهير كرة القدم والمطربين والشعراء والممثلين وحتى المذيعين اللامعين، والمشايخ والدعاة. وكاقتراح يمكن تشكيل حملة على شكل فيديوهات عفوية بسيطة تبث رسالة واحدة موجهة، بطريقة تعبير مختلفة تناسب كل مؤثر من هؤلاء، فهم الآن سلاح يجب الاستفادة منه بالطريقة الصحيحة، لتكون الجهود مدروسة ومتناسقة ومؤثرة.

ولكي ننتقل من مرحلة الدفاع والوقاية إلى مرحلة الهجوم وحصار المرض، علينا التحلي بالشفافية والالتزام والمصداقية، وضرورة الخروج من حالة الصدمة واستيعابها إلى التعامل الواعي والمسؤول والمنضبط.

كان الملك سلمان حفظه الله واضحا صريحا في كلمته التي خاطب فيها المواطنين والمقيمين في المملكة، لقد قال بأنه والدولة والحكومة والجهات المسؤولة معنا، ويتخذون كل الخطوات اللازمة لحمايتنا، فهل نحن مع الملك وهذه الجهات قولا وفعلا؟ إذن، يقع على عاتقنا أن نلتزم بالتوجيهات الصادرة كافة، فبلادنا هي ركننا الشديد الذي نسند إليه ظهورنا ونؤوي إليه وقت الشدائد، متسلحين بالعلم والإمكانات المتاحة، مستعينين بالله مؤمنين بقضائه.

ختاما، سنتجاوز هذه المحنة المريرة المؤلمة بكل تأكيد، ولا بد من توثيق هذه التجربة لتكون مجالا للدراسة والاستنباط، خاصة في المجالات الصحية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، في سبيل التعامل بشكل أفضل مع الأزمات المقبلة لا قدر الله، ودمتم سالمين.

@jamalsallat