طارق جابر

الصحة للجميع والحياة للجميع

الخميس - 19 مارس 2020

Thu - 19 Mar 2020

في 9 يناير 2020 أعلنت الصين أول حالة وفاة مرتبطة بفيروس الكورونا الجديد (كوفيد ١٩) في مدينة وهان، والذي كان العلماء الصينيون تمكنوا من اكتشافه قبل ذلك بيومين فقط، بعد انتشار حالات من الأمراض التنفسية الشديدة والغريبة في المدينة.

كان من اللافت والمقلق سرعة انتشار المرض وشدة أعراضه، وآثار ذلك ردود فعل عدة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي. ففريق شخص ذلك على أنه عقاب دنيوي للصين جراء اضطهادها للمسلمين الإيغور، كان الله في عونهم، وفريق رأى أن السبب في ذلك هو الثقافة الصينية غير السوية في نظرهم، والتي تتقبل أكل الثعابين والخفافيش وغيرها من المخلوقات الغريبة. كما ظهرت بقوة نظرية المؤامرة وإن اختُلف على تحديد المتآمر، هل هو الغرب لضرب الاقتصاد الصيني أم الصين لسحب البساط من تحت الاقتصادات الغربية، ولكن بقي الجميع ينظر للأمر على أنه مشكلة صينية، وأكثر ما يمكننا فعله هو تجنب الصينيين.

ولكن لأن العالم أصبح قرية كبيرة، ولأن العولمة هي شعار العصر، لم يمض وقت طويل حتى بدأت الحالات تظهر هنا وهناك، مثل الفقاقيع في المرجل المغلي. وفي ظاهرة نادرة أقر البشر بأن وجودهم جميعا في خطر، وأن الأمر ليس مشكلة الصين وحدها، والمشكلة هذه المرة ليست كالمرات السابقة مشكلة خاصة بالفقراء (إيبولا، كوليرا، وغيرهما)، فلا فرق بين دول الشمال ودول الجنوب.

وكان لا بد من قرارات مؤلمة وصارمة وشاملة لمقاومة الوباء، ولا أظن أن العالم سوف يتسامح قريبا مع أي فئة تغرد خارج السرب. فنحن كما في الحديث الشريف مثلنا كمثل قوم ركبوا سفينة، ونجاة الجميع تتوقف على عدم السماح لأي كان بأي عمل يدفع الآخرون ثمنه.

هذا المشهد يجعلنا جميعا نعيد تقييم طريقة حياتنا وتفكيرنا،الجميع لديه مسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه المجتمع. فالشخص غير المتحضر الذي يرمي المخلفات في الطريق وفي الحي هو شخص يشكل خطرا على صحتنا وصحة أبنائنا لا صحته هو وحده، ولا يمكن التساهل معه.

والسائق المتهور سوف يقتل معه آخرين قبل أن يقتل نفسه. وبقاء آلاف من الناس بيننا دون غطاء طبي بغض النظر عن وضعهم القانوني لن يجعل الأمراض محصورة فيهم فقط، بل ستكون بؤرة تصيب كل أفراد المجتمع.

إن تقبل أي قصور في الخدمات الصحية هو خلل لن تدفع ثمنه شريحة اجتماعية دون أخرى على المدى الطويل. المجتمع الذي تعلم بطريقة قاسية أهمية غسل اليدين وعدم البصاق ورمي القاذورات في الشارع وتجنب الكح والعطاس في أوجه الآخرين وأهمية النظافة وعدم التزاحم يجب أن يعرف أن هذه الأمور ليست مرتبطة فقط بوجود هذا الفيروس، بل هي أسلوب حياة، والعاقل من اتعظ بغيره.

لم يستطع العالم الاتفاق على أي شيء ينقذ الأرض حتى صار الأمر قاب قوسين، ونحن بدورنا لا يصح أن ننتظر حتى ندفع الثمن، ولا بد أن نتعلم من الدرس. فالحياة للجميع والصحة حق للجميع، والحفاظ عليها مسؤولية الجميع.

drtjteam@