العقل والشرع وضرورة حفظ حياة البشر
السبت - 07 مارس 2020
Sat - 07 Mar 2020
يفد على المملكة العربية السعودية كل عام الملايين من البشر في مواسم الحج والعمرة، وقد سمى الله في كتابه العزيز مكة «أم القرى»، لأن القرى كلها تتبع لها وفرع عليها، وهي قبلة لأهل الأرض كلهم، إنها أشرف البقاع وأفضلها، تهفو إليها قلوب المسلمين، وترنو أبصارهم وأفئدتهم إلى رحابها في كل صلواتهم، استجابة لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام «رب اجعل هذا بلدا آمنا وأرزق أهله من الثمرات» الآية 126من سورة البقرة.
إنها المدينة التي أقسم بها الله تعالى في كتابه في حول كون الساكن فيها حالا لينبه على عظمة قدرها في حالة إحرام أهلها «لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد» الآيتان 1و2 من سورة البلد، وقال سبحانه في الآية 3 من سورة التين «وهذا البلد الأمين». لقد أرادها الله حرما آمنا، يقول في الآية 67 من سورة العنكبوت «أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون».
هذه مكة وهذا مقامها في قلوب المسلمين، وشهادة حق فإن المملكة العربية السعودية منذ نشأتها ما فتئت تحشد كل سنة لاستيعاب تنامي عدد الحجاج والمعتمرين كل إمكاناتها وكل قدراتها لتطوير مشاعر الحج وتوفير الخدمات اللازمة للاحتفاء بضيوف الرحمن.
من هنا نتفهم الحزن الذي عبر عنه العديد من المسلمين الذين تلقوا خبر القرار الذي أعلنته السعودية يوم الخميس 5 مارس 2020 بإغلاق المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة مؤقتا في غير أوقات الصلاة، من بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة لمنع انتشار عدوى الكورونا الجديد «كوفيد19». إنها المرة الأولى في مثل هذا الوقت من السنة التي يتم فيها إخلاء أمكنة قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمئة مرة». كما أعلنت المملكة أنه إغلاق ساحة المطاف حول الكعبة، والمسعى بين الصفا والمروة طوال فترة تعليق العمرة، وستكون الصلاة داخل المسجد فقط.
إن هذا القرار يبدو صعبا على أعداد كبيرة من المسلمين الذين كانوا يأملون في أداء العمرة خاصة خلال رمضان، ولا سيما خلال العشر الأخيرة منه، وكذلك الذين يطمحون إلى الحج هذه السنة، والذين باتوا يخافون تعليق الحج في حال عدم القضاء على هذا الفيروس، وكل هذا الحزن وكل هذه التخوفات مفهومة ومعقولة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد قال حين اضطر للخروج من مكة وهو الذي عاش فيها ونزل عليه الوحي فيها «والله إنك لخير أرض وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواية الترمذي)، فإذا كان الرسول قد بكى لخروجه وهجرته منها، فما بالك بالذي قضى حياته حالما بزيارتها؟
لا يمكن إلا أن نتفهم حال المسلمين، إثر القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بتعليق العمرة، والذي ربما يليه تعليق الحج إذا ما تمادت الأسباب نفسها، فلقد تم هذا التعليق حتى للمواطنين المقيمين فيها خوفا من انتشار فيروس الكورونا.
لماذا هذا القرار؟ وهل هو ضروري؟ هل فيروس كورونا بهذه الخطورة حتى يتقرر تخفيف وجود المسلمين في الحرم المكي والمسجد النبوي؟
إنه فيروس حيواني المصدر ينتقل إلى الإنسان وهو سريع العدوى ويسبب أعراضا خفيفة تشبه الأنفلونزا، كما قد يسبب كذلك مرضا وخيما، ويبدو أن الأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية مزمنة هم أكثر عرضة للإصابة بمرض أشد وخامة، وهذا حال غالبية المسنين الذين لا يخفى على أحد عددهم على الأراضي المقدسة في مثل هذه المناسبات الدينية. كما أن قرار المملكة في تعليق العمرة كذلك جاء إثر إعلان عديد من البلدان المجاورة وجود حالات إصابة بالفيروس على أراضيها كإيران وأفغانستان والبحرين والعراق والكويت وعمان ولبنان، فضلا على وجود 1.8 مليار مسلم في العالم، وقد داهم الفيروس حسب تقرير منظمة الصحة العالمية أكثر من 70 دولة.
إن قرار وزارة الحج والعمرة السعودية إيقاف تأشيرات العمرة وتعليق دخول المملكة حتى لمن حصل على تأشيرة العمرة هو إجراء وقائي، وقرار لا مناص من اتخاذه ويدل على حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على حفظ صحة المسلمين وسلامة أرواحهم، عملا بقول الله تعالى في سورة الحج «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع والسجود». وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال «إذا سمعتم به (مشيرا إلى الطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا» أي إن الرسول الأكرم قد حذر من التنقل في حالة انتشار وباء حتى لا يبلغ الأراضي الأخرى.
نسأل الله أن يحفظنا جميعا، ونطلب من المملكة العربية السعودية، رغم صعوبة القرار أن تواصل حرصها على سلامة الحرمين وقاصديهما، حتى وإن تطلب الأمر إلغاء الحج هذه السنة. فلقد سبق أن توقف الحج 40 مرة منذ العام التاسع للهجرة بسبب اضطرابات سياسية أو لانتشار الأوبئة أو بسبب تقلبات مناخية، وكذلك الخوف من قطاع الطرق واللصوص في فترات حرجة من تاريخ أمتنا.
يبدو أن العقل والشرع يتفقان على ضرورة حفظ حياة البشر ووضع مصلحتهم فوق كل اعتبار، فهذا الفيروس يهدد حياة المعتمرين والحجيج الذين يقصدون المملكة من كل بلدان العالم، فكيف يمكن لخادم الحرمين الشريفين الذي اؤتمن على طهارة البيت «للطائفين والقائمين والركع والسجود» أن يسمح بالعمرة والحج بعد أن ثبت أن التنقل والاختلاط والازدحام كلها أسباب مباشرة لانتقال العدوى كالنار في الهشيم؟ فضلا عن أن علماء المسلمين قد أجمعوا بأنه يجوز ترك الحج عند مجرد خوف الطريق، بل إن الاستطاعة (لأداء الحج) لا تتحقق إلا بالأمن والأمان، يقول الله تعالى في الآية 97 من سورة آل عمران «فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين».
فالأمراض الوبائية هي من الأعذار المبيحة لترك الحج والعمرة، كما أن الفتوى اليوم تقوم على مصلحة المعتمر والحاج، أي إنها تقوم كذلك على الرأي الطبي، إذ لا بد من أن يلتزم الحاكم برأي الجهة الصحية لأنها المعنية الأولى بتقصي الداء وتشخيص الدواء لدفع البلاء. وهذا يتوافق مع الرأي الشرعي الذي يقوم على تفضيل درء المفسدة على جلب المصلحة، فالإنسان إذا مرض أو مات فلن يستطيع أن يستوفي عبادته، أما إذا أفلت من المرض فسيكتب له الله الحج والعمرة.
إنها المدينة التي أقسم بها الله تعالى في كتابه في حول كون الساكن فيها حالا لينبه على عظمة قدرها في حالة إحرام أهلها «لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد» الآيتان 1و2 من سورة البلد، وقال سبحانه في الآية 3 من سورة التين «وهذا البلد الأمين». لقد أرادها الله حرما آمنا، يقول في الآية 67 من سورة العنكبوت «أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون».
هذه مكة وهذا مقامها في قلوب المسلمين، وشهادة حق فإن المملكة العربية السعودية منذ نشأتها ما فتئت تحشد كل سنة لاستيعاب تنامي عدد الحجاج والمعتمرين كل إمكاناتها وكل قدراتها لتطوير مشاعر الحج وتوفير الخدمات اللازمة للاحتفاء بضيوف الرحمن.
من هنا نتفهم الحزن الذي عبر عنه العديد من المسلمين الذين تلقوا خبر القرار الذي أعلنته السعودية يوم الخميس 5 مارس 2020 بإغلاق المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة مؤقتا في غير أوقات الصلاة، من بعد انتهاء صلاة العشاء بساعة وإعادة فتحهما قبل صلاة الفجر بساعة لمنع انتشار عدوى الكورونا الجديد «كوفيد19». إنها المرة الأولى في مثل هذا الوقت من السنة التي يتم فيها إخلاء أمكنة قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمئة مرة». كما أعلنت المملكة أنه إغلاق ساحة المطاف حول الكعبة، والمسعى بين الصفا والمروة طوال فترة تعليق العمرة، وستكون الصلاة داخل المسجد فقط.
إن هذا القرار يبدو صعبا على أعداد كبيرة من المسلمين الذين كانوا يأملون في أداء العمرة خاصة خلال رمضان، ولا سيما خلال العشر الأخيرة منه، وكذلك الذين يطمحون إلى الحج هذه السنة، والذين باتوا يخافون تعليق الحج في حال عدم القضاء على هذا الفيروس، وكل هذا الحزن وكل هذه التخوفات مفهومة ومعقولة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد قال حين اضطر للخروج من مكة وهو الذي عاش فيها ونزل عليه الوحي فيها «والله إنك لخير أرض وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواية الترمذي)، فإذا كان الرسول قد بكى لخروجه وهجرته منها، فما بالك بالذي قضى حياته حالما بزيارتها؟
لا يمكن إلا أن نتفهم حال المسلمين، إثر القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بتعليق العمرة، والذي ربما يليه تعليق الحج إذا ما تمادت الأسباب نفسها، فلقد تم هذا التعليق حتى للمواطنين المقيمين فيها خوفا من انتشار فيروس الكورونا.
لماذا هذا القرار؟ وهل هو ضروري؟ هل فيروس كورونا بهذه الخطورة حتى يتقرر تخفيف وجود المسلمين في الحرم المكي والمسجد النبوي؟
إنه فيروس حيواني المصدر ينتقل إلى الإنسان وهو سريع العدوى ويسبب أعراضا خفيفة تشبه الأنفلونزا، كما قد يسبب كذلك مرضا وخيما، ويبدو أن الأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية مزمنة هم أكثر عرضة للإصابة بمرض أشد وخامة، وهذا حال غالبية المسنين الذين لا يخفى على أحد عددهم على الأراضي المقدسة في مثل هذه المناسبات الدينية. كما أن قرار المملكة في تعليق العمرة كذلك جاء إثر إعلان عديد من البلدان المجاورة وجود حالات إصابة بالفيروس على أراضيها كإيران وأفغانستان والبحرين والعراق والكويت وعمان ولبنان، فضلا على وجود 1.8 مليار مسلم في العالم، وقد داهم الفيروس حسب تقرير منظمة الصحة العالمية أكثر من 70 دولة.
إن قرار وزارة الحج والعمرة السعودية إيقاف تأشيرات العمرة وتعليق دخول المملكة حتى لمن حصل على تأشيرة العمرة هو إجراء وقائي، وقرار لا مناص من اتخاذه ويدل على حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على حفظ صحة المسلمين وسلامة أرواحهم، عملا بقول الله تعالى في سورة الحج «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع والسجود». وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال «إذا سمعتم به (مشيرا إلى الطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا» أي إن الرسول الأكرم قد حذر من التنقل في حالة انتشار وباء حتى لا يبلغ الأراضي الأخرى.
نسأل الله أن يحفظنا جميعا، ونطلب من المملكة العربية السعودية، رغم صعوبة القرار أن تواصل حرصها على سلامة الحرمين وقاصديهما، حتى وإن تطلب الأمر إلغاء الحج هذه السنة. فلقد سبق أن توقف الحج 40 مرة منذ العام التاسع للهجرة بسبب اضطرابات سياسية أو لانتشار الأوبئة أو بسبب تقلبات مناخية، وكذلك الخوف من قطاع الطرق واللصوص في فترات حرجة من تاريخ أمتنا.
يبدو أن العقل والشرع يتفقان على ضرورة حفظ حياة البشر ووضع مصلحتهم فوق كل اعتبار، فهذا الفيروس يهدد حياة المعتمرين والحجيج الذين يقصدون المملكة من كل بلدان العالم، فكيف يمكن لخادم الحرمين الشريفين الذي اؤتمن على طهارة البيت «للطائفين والقائمين والركع والسجود» أن يسمح بالعمرة والحج بعد أن ثبت أن التنقل والاختلاط والازدحام كلها أسباب مباشرة لانتقال العدوى كالنار في الهشيم؟ فضلا عن أن علماء المسلمين قد أجمعوا بأنه يجوز ترك الحج عند مجرد خوف الطريق، بل إن الاستطاعة (لأداء الحج) لا تتحقق إلا بالأمن والأمان، يقول الله تعالى في الآية 97 من سورة آل عمران «فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين».
فالأمراض الوبائية هي من الأعذار المبيحة لترك الحج والعمرة، كما أن الفتوى اليوم تقوم على مصلحة المعتمر والحاج، أي إنها تقوم كذلك على الرأي الطبي، إذ لا بد من أن يلتزم الحاكم برأي الجهة الصحية لأنها المعنية الأولى بتقصي الداء وتشخيص الدواء لدفع البلاء. وهذا يتوافق مع الرأي الشرعي الذي يقوم على تفضيل درء المفسدة على جلب المصلحة، فالإنسان إذا مرض أو مات فلن يستطيع أن يستوفي عبادته، أما إذا أفلت من المرض فسيكتب له الله الحج والعمرة.