كيف أشعل روحاني العداء مع دول الخليج؟

محاولات رفسنجاني وخاتمي للتعايش الآمن ذهبت أدراج الرياح الأمير سعود الفيصل أول من توقع التغلغل الإيراني داخل العراق الشاه حاول أن يلعب دور شرطي الخليج واستولى على 3 جزر في 1971 الخميني تورط في مؤامرة على البحرين والكويت وسعى لتصدير الفوضى نجاد أعاد السياسة المتشددة وأطلق البرنامج النووي وأيقظ التوتر والقلق
محاولات رفسنجاني وخاتمي للتعايش الآمن ذهبت أدراج الرياح الأمير سعود الفيصل أول من توقع التغلغل الإيراني داخل العراق الشاه حاول أن يلعب دور شرطي الخليج واستولى على 3 جزر في 1971 الخميني تورط في مؤامرة على البحرين والكويت وسعى لتصدير الفوضى نجاد أعاد السياسة المتشددة وأطلق البرنامج النووي وأيقظ التوتر والقلق

السبت - 07 مارس 2020

Sat - 07 Mar 2020

اتهم معهد الولايات المتحدة للسلام الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني بإشعال العداء مع دول الخليج العربي، باستثناء قطر، وأكد أنه ذهب بالمحاولات السابقة للتعايش السلمي الآمن التي لوح بها الرئيسان أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي أدراج الرياح.

وأكد التقرير الصادر عن معهد السلام أن أطماع إيران ورغبة حكامها في إشعال نار الفتنة واستخدام لغة الدماء والقتل والركون إلى المؤامرات عبر وكلاء من داخل المنطقة، سيطرت على العلاقة المتوترة والمضطربة بين طهران ودول الخليج على مدار العقود الماضية.

وقال: سعى القادة الإيرانيون المعاصرون من الشاه إلى خامنئي مرورا بالخميني إلى لعب الدور المهيمن في منطقة الخليج بسبب الثقل الاقتصادي والديموجرافي لبلدهم، فضلا عن قيمة خطوط شحن النفط في الخليج العربي في الستينات والسبعينات، بينما تسببت الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 في تحول كبير في العلاقة من الطمع إلى العداء والغدر والخيانة التي وصلت في أحيان كثيرة إلى محاولة الإطاحة بزعماء وقادة الخليج وحياكة المؤامرات ضدهم.

ولفت التقرير إلى أن صعود بعض القادة الواقعيين في طهران خلال السنوات الماضية خفف التوترات بعد حرب دامية استمرت 8 سنوات بين إيران والعراق، لكن الساسة الحاليين بقيادة خامنئي وروحاني أشعلوا العداء من جديد، وساهموا في وصول الوضع إلى أعلى درجات الغليان.

شرطي الخليج

في عام 1968 أعلنت بريطانيا عزمها على التخلي عن جميع المواقع العسكرية في الخليج العربي، وسعى محمد رضا شاه بهلوي لملء الفراغ البريطاني ليصبح «شرطي الخليج»، وشجعت واشنطن طهران من خلال تبني سياسة «الركن المزدوج»، حيث اعتبرت الدول الكبرى وعلى رأسها السعودية ضامنة للأمن في المنطقة، وفتحت إدارة نيكسون أبواب الفيضان أمام الولايات المتحدة لشراء الأسلحة لإيران.

وعلى الرغم من أن جميع الأنظمة كانت موالية للغرب إلا أن الملكية الفارسية كانت علاقتها متوترة مع زعماء عبر الخليج، ففي عام 1968 أعلن الشاه البحرين كإقليم إيراني تاريخي، ثم انسحب بعد أن وجدت بعثة تابعة للأمم المتحدة أن البحرينيين فضلوا الاستقلال.

وفي عام 1971 استولت إيران على ثلاث جزر استراتيجية في الخليج العربي تملكها الإمارات العربية المتحدة، وهي: أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، كما رفض الشاه المشاركة في الحظر العربي على النفط في عامي 1967 و 1973.

مؤامرات الخميني

غيرت الثورة الخمينية عام 1979 الأوضاع بشكل جذري، إذ أعلن آية الله الخميني عزمه على الإطاحة بقادة الخليج، وتورطت إيران في مؤامرة انقلاب في البحرين، واضطرابات في الكويت، وهجمات على منشآت أمريكية في دول الخليج.

وفي عام 1980 هاجم الرئيس العراقي صدام حسين إيران، حيث شعر بالفوضى الثورية لإيران ومحاولاتها المتكررة تحريض الأغلبية الشيعية في العراق واكتساب عمق استراتيجي على حدودها.

وتحولت الحرب بين إيران والعراق إلى سمة مميزة للعلاقات بين إيران والخليج العربي طوال الثمانينات، ففي عام 1981 انضمت دول الخليج الخمس الأصغر البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة إلى المملكة العربية السعودية فيما أطلق عليه اسم التحالف الأمني والسياسي، المعروف باسم مجلس التعاون الخليجي، وانحازت دول الخليج إلى حد كبير مع العراق.

الحرب والمواجهة

بعد عام 1984 انسحب عدد من دول الخليج من الحرب بعد أن ضرب العراق محطة تصدير النفط الرئيسة في إيران، وردت إيران بضرب ناقلات النفط في دول الخليج المتحالفة مع العراق، حينها تدخلت الولايات المتحدة من خلال إعادة تأهيل ناقلات الكويت والسعودية، الأمر الذي أثار بدوره توترات بين طهران وواشنطن.

بعد إصابة سفينة ترفع العلم الأمريكي قصفت البحرية الأمريكية منصة نفطية إيرانية في أكتوبر 1987. وأدت التوترات الأمريكية - الإيرانية في نهاية المطاف إلى إسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية من قبل يو إس إس فينسينز، مما أسفر عن مقتل 290 راكبا وطاقمها.

وانتهت الحرب أخيرا عندما قبلت إيران قرار الأمم المتحدة رقم 598 في أغسطس 1988، وقال آية الله الخميني إن قبول الشروط كان بمثابة شرب الكأس المسمومة، ولم يكن هناك منتصر واضح، لكن ميزان القوى الكبير في الخليج بقي بين الدول الكبرى الثلاث: السعودية، العراق، وإيران، وفق تقرير معهد الولايات المتحدة للسلام.

رفسنجاني وبناء الجسور

بعد فترة وجيزة من توليه الرئاسة في 1989 أعلن الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني أن على إيران أن تكف عن صنع الأعداء، واعتبر ذلك إشارة إلى تحول جوهري في السياسة الخارجية من دولة ثورية عدوانية إلى تعايش براغماتي جديد.

ورأى رفسنجاني أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست مثل البيادق الناضجة التي يجب الإطاحة بها، و»لكنهم كمستثمرين أثرياء». واقترح وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل بعد ذلك بوقت قصير أن يرى البلدان «مستقبل العلاقات الإيجابية».

لكن الجزء الثالث من ميزان القوى الثلاثي، صدام حسين، وقف مترقبا عندما وجد الدول العربية تقوم بإيماءات تصالحية مع إيران، وقرر حينها غزو الكويت في أغسطس 1990.

نظم الرئيس جورج بوش تحالفا دوليا لتحرير الكويت، وخطت إيران خطا جيدا خلال حرب الخليج عام 1991، إذ إنها لم تقف إلى جانب واشنطن ولم تعق مجهودها الحربي، على الرغم من التوترات بينها وبين الولايات المتحدة. حياد طهران في حرب الخليج لم يؤثر على واشنطن، ففي عام 1993 أعلنت إدارة كلينتون عن سياستها المتمثلة في «الاحتواء المزدوج» الذي يستهدف كلا من العراق وإيران.

تقارب خاتمي

انتخب محمد خاتمي عام 1997 رئيسا لإيران، في فترة من التواصل لإطلاق «حوار الحضارات». وفي ديسمبر 1997 استضافت طهران قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، وكان من بين الحضور ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، الذي يعد أكبر شخصية سعودية تزور طهران منذ ثورة 1979.

كان الانفراج السعودي الإيراني يتسارع، وعندما شرع الرئيس كلينتون في التواصل مع إيران اصطف عدد من دول مجلس التعاون الخليجي للعب دور وسيط بين واشنطن وطهران. وعلى الرغم من حدوث تقدم كبير، إلا أن أحداث 11 سبتمبر غيرت ديناميات العلاقات الأمريكية الإيرانية. وفي غضون العامين التاليين شن الرئيس جورج دبليو بوش حربين على حدود إيران، في أفغانستان في عام 2001 ، وفي العراق في عام 2003.

توقعات الفيصل

أطاحت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة بخصم أساسي، وأحست طهران أيضا بوجود فرصة لتشكيل والتأثير على عراق ما بعد صدام. وعلى مدار الأعوام التالية بدأ الحرس الثوري الإسلامي الإيراني ووزارة الاستخبارات حملة استخدما خلالها جميع القوى لإزعاج دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي عام 2005 توقع وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل التغلغل الإيراني داخل العراق، وأعرب عن استيائه من المؤامرات الإيرانية الإرهابية، قائلا «لقد خضنا حربا معا لمنع إيران من احتلال العراق. بعد طرد العراق من الكويت الآن نحن نسلم البلاد كلها لإيران».

وأعطى ارتفاع أسعار النفط طهران قوة اقتصادية جديدة، وبحث الإيرانيون عن فرص استثمارية إقليمية وانتقلوا بشكل متزايد إلى دبي، التي ظهرت كمركز تجاري خارجي لإيران.

وبنهاية ولاية خاتمي عام 2005 كانت معظم دول مجلس التعاون الخليجي حذرة مرة أخرى من إيران. لقد تم تشكيل العراق من قبل إيران أكثر من أي دولة إقليمية أخرى، وبدأت الدول العربية السنية تهمس بمخاوف من هيمنة شيعية على المنطقة، وشهد الخليج حالة تغير عميق.

تشدد وبرنامج نووي

غيرت الانتخابات المفاجئة وانتصار محمود أحمدي نجاد عام 2005 ديناميات السياسة الخارجية الإيرانية، وهذه المرة عادت إلى المواقف المتشددة للثورة المبكرة، حيث أعلن النظام على الفور استئناف تخصيب اليورانيوم، وأصبح برنامج إيران النووي المثير للجدل على الفور النقطة المحورية لسياستها الخارجية ودبلوماسيتها العالمية، وكان جيران إيران في الخليج قلقين.

في العراق حاولت دول الخليج حماية الأقلية السنية، بينما عملت إيران مع مجموعة من الجماعات الشيعية والحزبين الكرديين الرئيسيين للتأثير على الدولة العراقية الناشئة، وبدا أن انتخابات مارس 2010 في العراق تشير إلى أن جهود إيران قد آتت ثمارها. وبعد الانتخابات المتنازع عليها مباشرة جاء ثلاثة من المرشحين الأربعة الأوائل إلى طهران لإجراء «مشاورات» مع المسؤولين الإيرانيين.

مرحلة الغليان

وفيما توقع الكثيرون أن يساهم فوز حسن روحاني بأغلبية ساحقة في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2013 في تحسين الاقتصاد الإيراني وعودة الهدوء للعلاقات الإيرانية الخليجية، بوصفه يحمل لواء المعتدلين، زادت مؤامرات إيران حدتها، وتزايد عدد وكلاء الشر في المنطقة، بما ساهم في إشعال الأوضاع، ووصولها لمرحلة الغليان.

وانشغل روحاني في بداية فترة حكمه بالنزاع النووي مع الغرب، وإزالة العقوبات، وإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي والاقتصاد العالمي. وفي 14 يوليو 2015 أكمل فريق روحاني التفاوضي صفقة نووية نهائية مع القوى الست الكبرى في العالم.

وجاءت جهود روحاني لإعادة دمج إيران في المجتمع العالمي، والارتقاء بمكانها المنبوذ في لحظة فريدة من التفكك الإقليمي والاضطرابات الجيوسياسية، مما شكل تحديات كبيرة لإيران، وتحولت الحرب الأهلية السورية القاتلة إلى شريحة خطيرة من التطرف الإسلامي المتزايد، والكراهية الطائفية، ومستويات غير مسبوقة من الهجرة، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها عدد كبير من أطراف النزاع، من حكومة الرئيس بشار الأسد، إلى ما يسمى بمتشددي داعش.

وحافظت إيران على دعمها للأسد بالأسلحة والمشورة والمال، وزاد تنسيقها مع حزب الله اللبناني الذي قاتل نيابة عن الأسد، وزرعت ميليشيات جديدة مسلحة تشعل الفتنة والدمار في المنطقة ممثلة في الحوثيين في اليمن.