أحمد الهلالي

أيها البدناء: ما لكم.. كيف تحكمون!

الجمعة - 24 يونيو 2016

Fri - 24 Jun 2016

لا نختلف على أهمية تواد وتراحم المسلمين ووقوفهم إلى جانب بعضهم، وهذا ديدن المملكة ودول الخليج، مع أشقائهم في العالم العربي والإسلامي، من خلال الدعم الاقتصادي والإنساني والسياسي، للشعوب المنكوبة سواء بالكوارث الطبيعية، أم بالحروب والقلاقل، ولا يمكن المزايدة على الدور الذي تقوم به دول الخليج في هذا، فهو واجب تؤديه المنظومة الخليجية بمحبة وإحساس بأنه واجب لا تنتظر شكره.

لا نبحث عن الشكر من أحد حسب المثل الشعبي (اصنع المعروف وارمه في البحر)، لكن ذلك لا يعني أن نقبل التهجم الفج ممَن تسخّر دولنا إمكاناتها لنصرتهم والوقوف إلى جانبهم؛ لأن التنكر للإحسان فعل لا تقبله الفطرة السوية، ولا تقره السجايا الإسلامية والعربية، فقد قال تعالى: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «... ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه؛ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه». وقال الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه... لا يذهب العرف بين الله والناس. وقال المتنبي:

وقد حملتني شكرا طويلا ... ثقيلا لا أطيق به حراكا

إنها ليسوؤنا الكثير من الاتهامات بخذلان إخواننا في الأوطان العربية والإسلامية التي يتداولها البعض عبر وسائط التواصل الاجتماعي، أو على شاشات التلفزة، لكنها إساءة ليست عميقة حين نعلم أن مصادرها ذوات موبوءة بالكره والحقد؛ لاختلاف مذهبي أو سياسي أو فكري أو ثقافي أو من باب (كل ذي نعمة محسود)، لكن الإساءة العميقة والمؤلمة حين تأتي من شخصيات ونخب معروفة، تحتضنهم أوطاننا، وتمد إليهم أياديها البيضاء، غير ما توليه لقضاياهم من نصرة ومؤازرة، ومن يحجب الشمس بغربال! فالمملكة على صعيد القضية السورية فقط تبذل أقصى جهدها لحل القضية، وتتحرك في شتى الاتجاهات الإنسانية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، تحتضن ملايين اللاجئين، تقدم لهم الخدمات التعليمية والصحية، وتقدم للمعارضة شتى أنواع الدعم، ولا تنتظر شكرا من أحد؛ لإيمانها بواجباتها تجاه القضية السورية وكل القضايا العربية والإسلامية.

إنه لمن المؤلم أن تجد إخوة سوريين، بل من النخب المثقفة السورية يتداولون صورا تقارن بين موائد الخليجيين وموائد السوريين، فقد وقعت عيناي على صورة من هذا النوع، الأولى: لخليجيين على مائدة فخمة عليها ما لذ وطاب، والثانية: لنساء وأطفال ربما سوريات أمامهن قطع خيار وطماطم فقط، والتعليق في أعلى الصورة (يا للعار نساء سافرات ..)، وكأن التعليق ينحو بالصورة إلى انشغالنا من الدين بتغطية الوجه عن نصرة أهلنا في سوريا، ثم تأتي التعليقات تحتها ببشاعة في أغلبها، تصل إلى درجة الدعاء على دول الخليج بتجفيف منابع النفط، وألفاظ أنزه القراء عن ذكرها، حتى أسقط بعضهم آيات لقرون غابرة أهلكها الله كقوله تعالى في سورة هود «وَاتّبع الّذين ظلموا مَا أُترِفوا فيه وكانوا مجرمين». وكأننا في الخليج لم نقف موقف الناصر لقضايا أمتنا، حتى سوّغت ظنونهم وصمنا بالمترفين المجرمين بغيا وعدوانا، فلن يروقهم الحال حتى يشتعل الخليج ويجوع أهله.

لو كان أولئك وغيرهم ممن يفعل كما يفعلون منصفين، لاعتذروا لدول الخليج عن المجرمين من جنسياتهم الذين قبضت عليهم قوات الأمن متلبسين ينوون زعزعة أمننا، ومن ضمنهم سوريين في خلايا داعش بالكويت والرياض، ولتوحدت كلماتهم نبذا لزعزعة ملاذهم الآمن حين هربوا إليه من بطش قائدهم وزمرته، ولما عضوا الأيادي التي امتدت إليهم، وكأنهم يوقّعون على قول الشاعر: ومن يصنع المعروف في غير أهله... يكن حمده ذما عليه ويندم، وقول الآخر: ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر، فيحكى أن قوما خرجوا للصيد فلم يجدوا ما يصيدونه إلا ضبعا، طاردوها حتى دخلت خيمة أعرابي، فأجارها ومنعهم عنها، وأخذ يغذيها باللحم والحليب حتى سمنت، فلما خرج لبعض حاجته، عاد فلم يجد الضبع، ووجد أخاه المريض مقطعا، فقال البيت السابق.

أيها الأشقاء البدناء، بعد عتبي أعلاه أسألكم: ماذا يرضيكم؟ أن نأكل الخبز ونشرب الماء فقط؟ ونحرق أثاثنا وسياراتنا وآبار نفطنا؟ وننام عراة مشردين في الصحاري والجبال؛ حتى تعلموا أننا بكم شاعرون؟ فهل شعرتم بمعاناتنا وأبناؤنا يموتون في معارككم هناك، تتخطفهم التنظيمات الإرهابية وتعيدهم إلى أوطانهم وأسرهم مفخخين؟. ليتني لا أعرف موائدكم ونواديكم، فما لكم كيف تحكمون؟

[email protected]