الاحتباس الحواري
الأربعاء - 19 فبراير 2020
Wed - 19 Feb 2020
عندما تختفي السنن البينية، وتتلاشى الطبيعة الخلقية، وتضمحل فرص الانفتاح البشرية، ويصبح الواقع في أسوأ أحواله الافتراضية، يتحقق حينها ما أسميه الانغلاقات الفكرية، التي تؤدي إلى ما ينتج عنه الأمراض الاجتماعية، وهذا هو بيت القصيد، حيث تتعطل لدى كثيرين لغة سلوكية تصنف على أنها سائدة وعامة يمتلكها الجميع، ويمنحها الخالق جل وعلا لكل مخلوقاته، خاصة البشرية.
ومن مزاياها أنها مطردة في نموها وتناميها الرأسي وراثيا وانتشارها الأفقي مجتمعيا، وهي «لغة الحوار». والحوار موجود منذ خلق آدم عليه السلام، لكنه ظل كامنا ضمنيا في هذا المخلوق إلى أن بعث الله له من يوقظ هذه الميزة البشرية وهي حواء عليها السلام. فتحقق من خلال هذا الثنائي العظيم مفهوم الحوار والأخذ والرد، وبرز من حينها سلوك التشاور وتطور معه معنى الرأي والرأي الآخر، فآدم في أصله مخلوق اجتماعي استشعر بوحدته إلى أن جاء من يؤنس وحشته.
وأحد الأمراض النفسية والاجتماعية والأسرية والزوجية هو الاحتباس الحواري، الذي يشكل تلك القيود المفروضة على الفرد، والتي عملت على تحجيم وتقليص دور مهم وجزء ضروري من الطبيعة الفطرية والمنحة الإلهية التي حبانا الله إياها، وهي التحاور والانفتاح على الآخرين وإطلاق العنان لذلك اللسان، ليطرح ما لديه بالتصريح والتلميح بعيدا عن التجريح، وهذه الميزة التي تفرد بها بنو آدم تضمحل وتتلاشى وتغيب لدى البعض، مما يفقدهم كثيرا من الود والتقارب والتجاذب الذي يفرزه ذاك السحر في الحوار، قال عليه الصلاة والسلام (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه)، وفي التحليل النفسي يعتبر الحوار الحر بين المعالج والمريض من العلاج الذي نادى به عالم النفس فرويد في المدرسة التحليلية للوصول إلى لب الصراع والمشكلة الدفينة.
والاحتباس الحواري أفسره على أنه انغلاق العقل كمركز للتحكم والتحليل عن ممارسة التبادل المعرفي، فلا هو يعطي ويشارك ما لديه من خبرات ومهارات ومعلومات، ولا يأخذ ما عند غيره من نصائح وملاحظات ومميزات.
ومن وجهة نظري السلوكية أرى أن الاحتباس الحواري له عوامله التي يتأثر بها الفرد، والذي يصبح في سلوكه منغلقا وفي تعاطيه مع غيره متحفظا من خلال:
• التنشئة الوالدية الصلبة كالنهر والزجر والتعنيف والتقريع منذ بداية تعلم التواصل البيني بين الطفل ووالديه في مرحلة النمو، وتلقي التربية والتساؤلات المتكررة والمتعددة، وهي مرحلة الإسفنجة كما أطلق عليها في امتصاصها وعصرها.
• مرحلة التعليم النظامي من ناحية التأطير والانضباط في أوقات الكلام والحوار، وهذا يكبح الانطلاق والتداعي الحر للطفل في مراحله الابتدائية.
• تهميش الإبداعات والابتكارات الخارجة على المألوف، والتي قد لا تأخذ حقها الكافي من الحوار والتمكين المنزلي والمجتمعي والمدرسي، وعدم أخذها في الحسبان ورعايتها بإتقان.
• السخرية والتندر العبثي على المشاركة في الحوارات، والتقليل من حجم ومكانة الشخص والتي تسبب له الانطفاء والحبسة الحوارية والكلامية والإبداعية.
• البعد عن المكافأة والمدح لأي منجز قصصي وحواري كدعم للأطفال والمراهقين، فالجائزة تزيد الدافعية وترفع القيمة التحفيزية لدى الشخصية.
وكان عليه الصلاة والسلام في سلوكه يرعى الأطفال، ويحسن إليهم، ويتفهم حاجاتهم ونفسياتهم، ويشجعهم على فعل الخير والتحلي بالأخلاق الحميدة، ويشاركهم في مجالسه مع كبار الصحابة رضي الله عنهم، ويحثهم على حضور الجماعة؛ ليستمعوا للنصائح والتوجيهات، وكان يتجاوز عن كثير من أخطائهم، ولم يكن يحقرهم أو يعزلهم أو ينساهم، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فالانفتاح الحواري ينشأ من الصغر ويتنامى إلى الكبر، ويتعزز من خلال الوعي والإدراك السلوكي والتربوي.
@Yos123Omar
ومن مزاياها أنها مطردة في نموها وتناميها الرأسي وراثيا وانتشارها الأفقي مجتمعيا، وهي «لغة الحوار». والحوار موجود منذ خلق آدم عليه السلام، لكنه ظل كامنا ضمنيا في هذا المخلوق إلى أن بعث الله له من يوقظ هذه الميزة البشرية وهي حواء عليها السلام. فتحقق من خلال هذا الثنائي العظيم مفهوم الحوار والأخذ والرد، وبرز من حينها سلوك التشاور وتطور معه معنى الرأي والرأي الآخر، فآدم في أصله مخلوق اجتماعي استشعر بوحدته إلى أن جاء من يؤنس وحشته.
وأحد الأمراض النفسية والاجتماعية والأسرية والزوجية هو الاحتباس الحواري، الذي يشكل تلك القيود المفروضة على الفرد، والتي عملت على تحجيم وتقليص دور مهم وجزء ضروري من الطبيعة الفطرية والمنحة الإلهية التي حبانا الله إياها، وهي التحاور والانفتاح على الآخرين وإطلاق العنان لذلك اللسان، ليطرح ما لديه بالتصريح والتلميح بعيدا عن التجريح، وهذه الميزة التي تفرد بها بنو آدم تضمحل وتتلاشى وتغيب لدى البعض، مما يفقدهم كثيرا من الود والتقارب والتجاذب الذي يفرزه ذاك السحر في الحوار، قال عليه الصلاة والسلام (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه)، وفي التحليل النفسي يعتبر الحوار الحر بين المعالج والمريض من العلاج الذي نادى به عالم النفس فرويد في المدرسة التحليلية للوصول إلى لب الصراع والمشكلة الدفينة.
والاحتباس الحواري أفسره على أنه انغلاق العقل كمركز للتحكم والتحليل عن ممارسة التبادل المعرفي، فلا هو يعطي ويشارك ما لديه من خبرات ومهارات ومعلومات، ولا يأخذ ما عند غيره من نصائح وملاحظات ومميزات.
ومن وجهة نظري السلوكية أرى أن الاحتباس الحواري له عوامله التي يتأثر بها الفرد، والذي يصبح في سلوكه منغلقا وفي تعاطيه مع غيره متحفظا من خلال:
• التنشئة الوالدية الصلبة كالنهر والزجر والتعنيف والتقريع منذ بداية تعلم التواصل البيني بين الطفل ووالديه في مرحلة النمو، وتلقي التربية والتساؤلات المتكررة والمتعددة، وهي مرحلة الإسفنجة كما أطلق عليها في امتصاصها وعصرها.
• مرحلة التعليم النظامي من ناحية التأطير والانضباط في أوقات الكلام والحوار، وهذا يكبح الانطلاق والتداعي الحر للطفل في مراحله الابتدائية.
• تهميش الإبداعات والابتكارات الخارجة على المألوف، والتي قد لا تأخذ حقها الكافي من الحوار والتمكين المنزلي والمجتمعي والمدرسي، وعدم أخذها في الحسبان ورعايتها بإتقان.
• السخرية والتندر العبثي على المشاركة في الحوارات، والتقليل من حجم ومكانة الشخص والتي تسبب له الانطفاء والحبسة الحوارية والكلامية والإبداعية.
• البعد عن المكافأة والمدح لأي منجز قصصي وحواري كدعم للأطفال والمراهقين، فالجائزة تزيد الدافعية وترفع القيمة التحفيزية لدى الشخصية.
وكان عليه الصلاة والسلام في سلوكه يرعى الأطفال، ويحسن إليهم، ويتفهم حاجاتهم ونفسياتهم، ويشجعهم على فعل الخير والتحلي بالأخلاق الحميدة، ويشاركهم في مجالسه مع كبار الصحابة رضي الله عنهم، ويحثهم على حضور الجماعة؛ ليستمعوا للنصائح والتوجيهات، وكان يتجاوز عن كثير من أخطائهم، ولم يكن يحقرهم أو يعزلهم أو ينساهم، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فالانفتاح الحواري ينشأ من الصغر ويتنامى إلى الكبر، ويتعزز من خلال الوعي والإدراك السلوكي والتربوي.
@Yos123Omar