أحمد الهلالي

مؤسسات البحث العلمي بين التنظيم والصناعة!

الثلاثاء - 18 فبراير 2020

Tue - 18 Feb 2020

البحث العلمي أساس متين للتنمية، ومن المهم جدا أن نوليه قدرا كبيرا من عنايتنا، فوق العناية التي يتمتع بها في بلادنا، وما تحققه مؤسساتنا الأكاديمية والبحثية من قفزات مميزة في المؤشرات العالمية، وقد قدمت التقنيات الحديثة خدمات جليلة للمشتغلين في مجالات البحث العلمي، وفرت عليهم مزيدا من الوقت والجهد في اشتغالاتهم، ولم يبق إلا مزيد عنايتنا بتهيئة البيئات المناسبة للبحث، وبناء القنوات، وحفز الهمم.

على مستوى الجامعات، في كل جامعة وكالة متخصصة في البحث العلمي، تتبعها (عمادة البحث العلمي)، لكن وجودها دون برامج محفزة للبحث، يجعل دورها تنظيميا إجرائيا، وتخفت صفة (الصانع) في برامجها المقدمة، فكم سيكون الأمر مختلفا لو اضطلعت هذه العمادات أو الوكالات بدور الصانع في جزء كبير من القضايا البحثية على مختلف العلوم.

لو أخذنا موضوع الدراسات الإنسانية مثالا، فإنه يتفرع إلى تخصصات شتى في الآداب واللغات والتاريخ وعلم الاجتماع والنفس والإعلام وغيرها، وعادة فإن هذه التخصصات تحمل شجونها وهمومها البحثية، ورغم وجود التقاطعات بينها فيما يعرف بالدراسات البينية، إلا أن الوشائج بين المشتغلين في هذه الحقول شبه مقطوعة، ولا تماس بينهم فيها إلا نادرا، هذا إذا علمنا أن كل هذه التخصصات تحت مظلة كلية واحدة، فما بالك حين تتقاطع القضايا البحثية مع كليات مختلفة ككلية التربية أو كلية العلوم أو الطب أو الحاسبات أو الفنون وغيرها، وهنا يأتي دور (الصانع) الذي يخلق الوشائج البحثية بين هذه التخصصات، ولا يترك الأمر لاجتهادات الباحثين الأفراد وعلاقاتهم الشخصية بالباحثين في تخصصات مختلفة.

أضف إلى ذلك أن قرار امتناع بعض عمادات البحث العلمي، عن دعم الباحثين الأفراد أجده قرارا مجحفا؛ فما يصلح غالبا في العلوم التطبيقية، لا ينسحب على العلوم الإنسانية، فالموضوعات العلمية التطبيقية موضوعية دقيقة، لا تدخلها الذاتية واختلافات الرؤى والمشارب والتوجهات الفكرية والثقافية، لذا فإن اشتراك الباحثين فيها ممكن جدا، أما الدراسات الإنسانية فإنها عرضة للاختلافات، وهي أكثر ثراء بهذا، فقد يحفز الاختلاف بحوثا أخرى في الموضوع نفسه، ومع أن اشتراك الباحثين فيها ممكن، إلا أن اشتراطه (قطعيا)، والامتناع عن دعم الباحثين الأفراد يعدان خللا، وتقليصا لمساحات البحث العلمي، وربما يحدو ذلك بعض الباحثين إلى الاحتيال تحت مقولة (سجل اسمي وأسجل اسمك)!

وعلى ما سبق، أرى ضرورة اضطلاع عمادات البحث العلمي بدور (الصانع)، من خلال فتح القنوات البحثية، وخلق قنوات جديدة للباحثين الأفراد والمجموعات البحثية على حد سواء، واستثمار التقنيات الرقمية في تهيئة بيئة بحثية منتجة، وإعداد قوائم وقواعد بيانات بأسماء واهتمامات الباحثين، والتواصل معهم وتحفيزهم، من خلال اقتراح الموضوعات البحثية، وعقد اللقاءات والورش، ودفعهم إلى الاشتراك في المجموعات البحثية، وترشيحهم للقاءات والمؤتمرات البحثية على مستوى الجامعات السعودية والخارج، وتقديم كل التسهيلات الممكنة في هذا الشأن، لتسريع عجلة البحث العلمي بما يعود بالنفع على البحث والباحث والعلوم.

ahmad_helali@