فارس محمد عمر

غارا على جبل

الخميس - 23 يونيو 2016

Thu - 23 Jun 2016

يا ليت لي والأماني إن تكن خدعا

لكنهن على الأشجان أعوان

غارا على جبل تجري الرياح به

حيرى يزافرها حيران لهفان



بيتان ترجما خفاياك. نزاهة وبساطة وصدق نبعهما نقاء سريرة، يحفهما قرآن محفوظ وعلم وأدب.

آه من انشغالي بسبحتك وقلمك وساعتك، بالفواني عن الرواسخ. لكني أبشرك يا أبت أني أمسيت أحرص ألا يكون إرثي منك نبرة ونظرة وعقالا وعباءة، لن أفرح باقتطاع باقة هيئتك لألصقها بجوارحي آملا أن أشبهك لأسترضي نفسي وغيري، وإلا حرمت الباقة الجميلة سببها وماءها، فتذبل وتسقط، فأبقى عاريا ذاهلا بظني أنني محب ناجح!

ما الحب ألق وملق كرهتهم يا أبي، بل رقراق يسيل من المهجة، يصنع قنواته فترتوي به المشاعر وتطمئن الخوافق، لكن يشوهه التكلف، يقتل جذوره ويمنع ثماره.

تجلت حقيقتك يوم استدبرت سيارات فخمة وأصحابها المودعين، لتركب أمامهم سيارتي التافهة الرثة المنزوية بعيدا.

يا من سبقت معاليك المنصب ثم فاقته واستغنت حتى عن ذكره، ها أنذا أنصرف من البريق إلى الرحيق، لعل ابنك يحسن لذكراك فيكون نسيج وحده وأهلا لآمالك فيه بشخصية حرة متحركة بالذي كان فيك وكنت به وهو الزهد، حتى اخترت السفر آخر حياتك خير نجاة من متلونة شحيحة حسودة، من دنيا الطفيليات المحسوبة في البشر، تحيا بكيانات غيرها ثم تنكرها، مر علي مثلها فأمسيت أقول مثلك وأتمنى: ويا ليت لي غارا على جبل! ثم أذكر: إن كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد، بعدما رأيت نفسك كبيرة في انفرادك مع معاناتك مستجيبا لتعليمات مولانا جل جلاله: «وقل اعملوا»، لله وحده ولا أحد ولا شيء سواه، وعقلت وصيتك ألا أتعطل لموت حبيب، ألا أقتات على الذكريات ولا ألتحف المواضي مجترا آهات الإمعية فأخسر. ليس من خاطرة ولا قول بعد ذلك سوى «رب ارحمهما كما ربياني صغيرا».