سَالمين كُل تَمر
الأربعاء - 05 فبراير 2020
Wed - 05 Feb 2020
من الطرائق والأساليب التي تتسبب وتشترك أيضا في عملية الحراك الاجتماعي على جميع المستويات والطبقات والشرائح داخل المجتمعات القروية والمدنية والبدوية والحضرية، وكذلك في كل الديانات الإسلامية وغيرها من المعتقدات البشرية، ويساعد في انتشارها عملية تقبلها والإيمان بها؛ هي الأمثال الشعبية وتحديدا في عالمنا العربي، حيث تورث كابرا عن كابر ومن جيل لآخر.
وثقافة الأمثال الشعبية انبثقت جراء موقف أو مواقف إيجابية أو سلبية، فكاهية أو تراجيدية، حدثت في القديم لفرد أو مجموعة ما، في حقبة زمنية مضت، ومن ثم ثبت ذلك الموقف كحالة سجلت في الذاكرة الذهنية والأعراف الاجتماعية، وجرى تناقلها ليتعامل معها من باب النصيحة أو الرواية والقصة، حتى التصق ذلك الموقف في أذهان العامة كسابقة يمكن الاستفادة منها في موقف مماثل، عن طريق منهجية القياس والتماثل الموقفي الاجتماعي.
ومن الأمثال الشعبية التي جذبتني وسمعتها من مجموعة قديرة من الأصدقاء وكبار السن الحضارم، وهم بلا شك أصحاب مدرسة توعوية تربوية، واقتصادية تجارية عظيمة، أثروا في المجتمع الخليجي وتحديدا السعودي، والمثل الذي أقصده هو «سالمين كل تمر»، وهو مثل حضرمي عتيق جدا، أجده يخدم ثلاثة مستويات سلوكية تقويمية، وهي على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي.
وحسبما تمت روايته عن هذا المثل، أن شخصا في إحدى قرى حضرموت أراد أن يهذب ابنه ويلجمه عن الإسهاب في الكلام عن أمور خاصة لا يعلمها الحاضرون في المجلس، وفي الوقت نفسه لم يرد إحراج ابنه، ولا لفت النظر إليه من قبل الآخرين، ففهم الابن رسالة والده وانصاع لها، ومن حينه اتخذ الموقف كمثل.
وإذا أردنا استيعاب مضمونه التربوي، نأخذه مبدئيا على شكله مع تغيير في مواضع الكلمات، بمعنى أن نركز على كل كلمة في المثل، والذي يتكون من «سالمين» و»كل» و»تمر»، فإذا أخذنا من بداية كل كلمة الحرف الأول منها لتكونت لدينا كلمة «سكت» بضم السين والكاف وتسكين التاء، وهي باللهجة الحضرمية الآمرة تعني اصمت أو ألزم لسانك أو انتقل إلى موضوع آخر.
وحسبما أراه سلوكيا فإن الإجراء التعاملاتي لهذا المثل الرشيق، وفي معناه المتعدي العميق، يترك أثرا نفسيا وانطباعا سلوكيا من منطلق ثلاثة مؤثرات تربوية دينية واجتماعية وأخلاقية، كالآتي:
أولا، عدم حصر الحديث أو التناجي بين اثنين، لما يتركه ذلك من أثر سلبي في نفس الثالث أو نفوس الآخرين في ذلك المجلس، من خلال ما يجدونه من حرج في صدورهم، وما قد يتسلل إليهم من وساوس الشيطان بأن ما يدور من كلام مختصر وخافت بين الرجلين أو الشخصين قد يكون عليهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه» متفق عليه.
ثانيا، تعزيز مبدأ حفظ اللسان، وذم المداراة والتخفي من القول، مصداقا لقوله عز وجل «لا خير في كثير من نجواهم ..»، سورة النساء الآية 114، وهذه دلالة على أن كثيرا من الأحاديث لا خير فيها، باستثناء ما فيه أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح وصلاح للمسلمين.
ثالثا، تهذيب الآخرين وترويضهم، خاصة الصغار، بعدم التطفل والتدخل في كل شاردة وواردة من أمور الخاصة، وإذا لوحظ اختلاء شخصين أو مجموعة تتباحث في أمر ما، يجب التنحي والانسحاب قبل إحراجهم بالسكوت وقطع الاتصال أو الانحراج منهم بالمكوث والانعزال.
فهذه المؤثرات الثلاثة وغيرها مما تفرزه الأمثال الشعبية الإيجابية على المجتمع، تنمي المنهج السلوكي، وتعزز الجانب التربوي، عبر المثل الذي برع السابقون في إخراجه كنص توعوي مختصر لرسالة مجتمعية تبقى وتنتشر.
@Yos123Omar
وثقافة الأمثال الشعبية انبثقت جراء موقف أو مواقف إيجابية أو سلبية، فكاهية أو تراجيدية، حدثت في القديم لفرد أو مجموعة ما، في حقبة زمنية مضت، ومن ثم ثبت ذلك الموقف كحالة سجلت في الذاكرة الذهنية والأعراف الاجتماعية، وجرى تناقلها ليتعامل معها من باب النصيحة أو الرواية والقصة، حتى التصق ذلك الموقف في أذهان العامة كسابقة يمكن الاستفادة منها في موقف مماثل، عن طريق منهجية القياس والتماثل الموقفي الاجتماعي.
ومن الأمثال الشعبية التي جذبتني وسمعتها من مجموعة قديرة من الأصدقاء وكبار السن الحضارم، وهم بلا شك أصحاب مدرسة توعوية تربوية، واقتصادية تجارية عظيمة، أثروا في المجتمع الخليجي وتحديدا السعودي، والمثل الذي أقصده هو «سالمين كل تمر»، وهو مثل حضرمي عتيق جدا، أجده يخدم ثلاثة مستويات سلوكية تقويمية، وهي على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي.
وحسبما تمت روايته عن هذا المثل، أن شخصا في إحدى قرى حضرموت أراد أن يهذب ابنه ويلجمه عن الإسهاب في الكلام عن أمور خاصة لا يعلمها الحاضرون في المجلس، وفي الوقت نفسه لم يرد إحراج ابنه، ولا لفت النظر إليه من قبل الآخرين، ففهم الابن رسالة والده وانصاع لها، ومن حينه اتخذ الموقف كمثل.
وإذا أردنا استيعاب مضمونه التربوي، نأخذه مبدئيا على شكله مع تغيير في مواضع الكلمات، بمعنى أن نركز على كل كلمة في المثل، والذي يتكون من «سالمين» و»كل» و»تمر»، فإذا أخذنا من بداية كل كلمة الحرف الأول منها لتكونت لدينا كلمة «سكت» بضم السين والكاف وتسكين التاء، وهي باللهجة الحضرمية الآمرة تعني اصمت أو ألزم لسانك أو انتقل إلى موضوع آخر.
وحسبما أراه سلوكيا فإن الإجراء التعاملاتي لهذا المثل الرشيق، وفي معناه المتعدي العميق، يترك أثرا نفسيا وانطباعا سلوكيا من منطلق ثلاثة مؤثرات تربوية دينية واجتماعية وأخلاقية، كالآتي:
أولا، عدم حصر الحديث أو التناجي بين اثنين، لما يتركه ذلك من أثر سلبي في نفس الثالث أو نفوس الآخرين في ذلك المجلس، من خلال ما يجدونه من حرج في صدورهم، وما قد يتسلل إليهم من وساوس الشيطان بأن ما يدور من كلام مختصر وخافت بين الرجلين أو الشخصين قد يكون عليهم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن رسول الله صل الله عليه وسلم قال «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه» متفق عليه.
ثانيا، تعزيز مبدأ حفظ اللسان، وذم المداراة والتخفي من القول، مصداقا لقوله عز وجل «لا خير في كثير من نجواهم ..»، سورة النساء الآية 114، وهذه دلالة على أن كثيرا من الأحاديث لا خير فيها، باستثناء ما فيه أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح وصلاح للمسلمين.
ثالثا، تهذيب الآخرين وترويضهم، خاصة الصغار، بعدم التطفل والتدخل في كل شاردة وواردة من أمور الخاصة، وإذا لوحظ اختلاء شخصين أو مجموعة تتباحث في أمر ما، يجب التنحي والانسحاب قبل إحراجهم بالسكوت وقطع الاتصال أو الانحراج منهم بالمكوث والانعزال.
فهذه المؤثرات الثلاثة وغيرها مما تفرزه الأمثال الشعبية الإيجابية على المجتمع، تنمي المنهج السلوكي، وتعزز الجانب التربوي، عبر المثل الذي برع السابقون في إخراجه كنص توعوي مختصر لرسالة مجتمعية تبقى وتنتشر.
@Yos123Omar