نمر السحيمي

حقوق المواطن الحر في رؤية المملكة 2030

الجمعة - 31 يناير 2020

Fri - 31 Jan 2020

تتشكل التيارات بمختلف مجالاتها في أي دولة من دول العالم لتحقيق التكتل الذي يضمن مساندة عناصرها أو معتنقي أفكارها لخدمة هدفها.

ويقف المواطن صاحب القرار الحر الذي لا ينتمي لأي تيار وحيدا مع الملايين مثله من مواطنيه، مهمشا أمام تنازع التيارات المختلفة في بلده على السيادة الفكرية أو العلمية أو المهنية أو الوظيفية، لتهضم هذه التيارات حقوق المواطنين في مختلف المجالات، دون أن تستطيع الدولة كبح جماح تلك التيارات الهادرة التي تتنادى من خلف ستار الضبابية والتمويه في بعض الدول، لتحصد الأفكار والوظائف والمناصب والأموال في سبيل سيادة أفكارها.

ولن أسمي المواطن صاحب القرار الحر يمينا ولا يمين وسط ولا يمينا معتدلا كما تقسم ذلك لعبة اليمين واليسار، كون هذه اللعبة تتعلق بالشأن السياسي البحت، وكلامي هنا يتعلق بحقوق المواطن الحر الذي بعيش الاستقرار تحت قيادة بلاده.

وبالعودة إلى الموضوع فإنه بدراسة متأملة في واقع داخلنا فإن هذا الواقع يؤكد أننا من الدول التي توجد بها تيارات غير ظاهرة، بل تتستر بالضبابية والتمويه، فلدينا تيارات تتشكل من تيارين موجودة في كل مراحل الدول الإسلامية السابقة.

هذان التياران هما التيار المتشدد بمختلف أفكاره، والتيار المنحل بمختلف أفكاره، أو ما يسمى بتيار الانغلاق وتيار الانحلال. وقد لبس هذان التياران لباس الضبابية والتمويه في بلادنا منذ تأسيسها، كما هو ديدنهما في كل عصور الدول الإسلامية المتعاقبة، لذا فإن إدخالهما في تقسيم لعبة اليمين واليسار لا يعبر عن واقعهما الذي يأخذ طابع البحث عن السيادة الفكرية وابتعد في أكثر أوقاته عن المعترك السياسي.

وكون هذين التيارين ظاهرين فإن الدراسات حولهما وحول تأثيراتهما نادرة، ربما لتقاسمهما ميادين البحث العلمي دون ترك الفرصة للمحايدين لممارسة العطاء البحثي والمشاركة في تنمية بلادهم.

وتلك من أكثر التأثيرات السلبية لهذين التيارين، وهي سلبية تبين ممارسة عناصر التيارين المشار إليهما أو معتنقي أفكارهم عملية الإقصاء المتعمد للمواطنين ممن لا ينتمون لأي تيار، مما يحرم معه البلاد من عطاء أبنائها ونتاج عقولهم، وتظل المشاريع البحثية والتنموية معطلة تنتظر الخلاص من هذا الاحتكار المعقم لرحم التقدم الإنساني في أي دولة تُبتلى بمثل هذين التيارين.

وتعد رؤية المملكة 2030 أول خطة حكومية ستواجه هذه المعضلة إذا ما أرادت المملكة منافسة دول العالم المتقدم في كل المجالات.

وقد أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن المملكة ستنشر الإسلام الوسطي، وستدمر كل الأفكار المتطرفة «اليوم وفورا».

وقال ولي العهد «السعودية لم تكن كذلك قبل عام 1979.. السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 79 لأسباب كثيرة، فنحن لم نكن كذلك.. نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه.. الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم، وعلى جميع الأديان، وعلى جميع التقاليد والشعوب».

وتابع الأمير محمد بن سلمان القول:»نريد أن نعيش حياة طبيعية .. حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة.. ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم.. فهذا أمر أعتقد أنه اتخذت خطوات في الفترة الماضية واضحة، وأعتقد أننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل».

وهذا القول من ولي العهد يشمل شقي التطرف سواء المتشدد منه أو المنحل وكلاهما تياران يخالفان نهج السلف الصالح الوسطي المعتدل الذي تتمسك به المملكة منذ تأسيسها.

وحول تخليص المواطنين من احتكار تلك التيارات لمقدرات الوطن وطغيان سيادة وجودها في مفاصل الدولة، قال ولي العهد «ما يمكننا فعله هو تشجيع قوة القانون ونود أن نشجع حرية التعبير بقدر ما نستطع ومواجهة التحديات من أجل ذلك».

ومن هذا القول يؤكد ولي العهد أن المملكة وضعت استراتيجية لمواجهة هذه التيارات من خلال تشجيع الدولة لقوة القانون وتطبيق الأنظمة مع تشجيع حرية التعبير، ليصل من خلاله صوت المواطن المخلص لدينه ووطنه وقيادته، فمن خلال تشجيع حرية التعبير سيتجاوز صوت المواطن حاجز المنع الذي تضعه هذه التيارات بين المواطن وولي الأمر، كما سيهدم أي تكتل لهذه التيارات كان سببا في تكميم أفواه المخلصين عن التعبير الإيجابي والحوار المثمر بين الشعب وقيادته.

إن رؤية المملكة لم تتجاهل وجود التيارات المنحرفة التي عانت منها بلادنا سنوات طويلة، كما لم تتجاهل خطر هذه التيارات على اللحمة الوطنية، فاستطاعت المملكة حتى الآن تحجيم خطر التيارين المتشدد والمنحل لتعطي الفرصة لقيام مشاريعنا الكبرى، بعيدا عن الانغلاق المزري الذي تراجعت بسببه بلادنا أكثر من 40 سنة.

وجنبا إلى جنب مع بدء مواجهة الدولة لتياري التطرف بدأ المواطن يتحصن منهما، ولم يبق إلا تحرير مقدرات وخيرات الوطن من الاحتكار ليكون أساس المساواة بين المواطنين واقعا، بعد أن ساهم التيار المتطرف بشقيه بتعطيل هذا الأساس الذي نص عليه النظام الأساسي للحكم بالمملكة في مادته الثامنة، بأن «الحكم في المملكة العربية السعودية يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية».