طلال الحربي

ماذا ستخسر إيران؟

الاثنين - 27 يناير 2020

Mon - 27 Jan 2020

لا شك أن الملف الإيراني هو الملف الأكثر تناولا في الإعلام السياسي والاقتصادي وفي كواليس ودهاليز المحللين، وكذلك تلك اللعبة بالشد والرخي بين أمريكا وإيران. نعلم أن الإدارة الأمريكية ليست تحت قرار ترمب ورغباته، فهنالك مؤسسية في صناعة القرار الأمريكي تجعل من أي رئيس أمريكي ليس صاحب القرار الأوحد، نعم ترمب صاحب تصريحات مندفعة في بعض الأحيان، لكنه يعرف جيدا ما هي المساحات التي يستطيع أن يكون فيها صانع ومتخذ ومنفذ القرار، ومتى يحتاج إلى العودة إلى الإدارة وتقسيماتها والكونجرس لديه، خاصة ونحن مقبلون على الانتخابات التي يتمنى فيها الجمهوريون دورة ثانية تحت رئاسة ترمب، الأقدر حاليا على تمثيل الحزب وتحقيق النصر من وجهة نظري الخاصة.

رغم كل ما يحدث إلا أننا علم جيدا أنه ليست هنالك جدية غربية في التعامل مع الملف الإيراني، وأن وجود إيران في مثلث إسرائيلي تركي يجعل من المنطقة العربية في حاجة دائمة إلى الغرب كحليف أساسي وإن كان ثقيل الدم في بعض الأحيان، ومن الناحية السياسية لا مانع أن يكون لدينا حلفاء أقوياء وعلاقتنا ممتازة معهم، لكن لا بد أن توضع النقاط على الحروف، وأن نكون أكثر صرامة في التعامل مع هذا المثلث الخطير، رغم أن البعض يلعب على وتر التصريحات بين حكام طهران وتركيا في عدائهما لإسرائيل، إلا أنها تبقى تصريحات لا أثر جديا لها على أرض الواقع، خاصة تركيا التي لديها علاقات دبلوماسية وتعاون عسكري واقتصادي مع تل أبيب.

لنتعمق قليلا في الداخل الإيراني ونقول ماذا ستخسر إيران في حال استمر الصراع أو حتى لو نشبت حرب ولو كانت صورية؟ في دول محيط العداء حول إيران من الواضح أن إيران تحارب العرب بالعرب أنفسهم، وهذا جلي في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وقريبا جدا قد تكون ليبيا على الخط، لكن أن تحارب العرب بشكل مباشر هذا ليس مطروح حاليا، لأن حكام إيران يعلمون أن الحرب في الوقت الحالي لن تكون كحرب الخليج الأولى، بل أوسع وأكثر شمولية، وهذا يقودنا إلى أن الغرب وأمريكا سيقفون بكل جدية لمنع أي مواجهة عربية إيرانية.

هل الشعب الإيراني يعي جيدا المخاطر المحيطة به، وإلى أين تقوده قيادته؟ أليس من حق هذا الشعب أن يعيش بسلام وأمان ويمارس حريته ويحلم بمستقبل أفضل؟ هل الطغيان الصفوي الحاكم في إيران قادر بهذه القوة على السيطرة الكلية على أحلام شعب بأكمله؟ في ظل تطورات العصر وما تصل إليه علوم البحث والتكنولوجيا، نعلم جيدا أن كل شعب يريد أن يعيش بطموح وتحقيق أحلامه، لهذا فإن واقع الشعب الإيراني يؤكد أنه محتل لا يملك من قرار نفسه شيئا، نعم هنالك فئات وطوائف مؤيدة للنظام هناك بكل تأكيد، لكن هل تمثل الشعب الإيراني بمجمله؟ كيف نقرأ المظاهرات التي تخرج من فترة إلى فترة في طهران ومدن إيران؟ أليست دليلا على أن بين خطايا النظام الحاكم شعبا يريد حياة بسلام وأمان؟

السعودية الدرع الحصين في وجه التمدد الإيراني الصفوي دائما تعلن أن العداء لسياسة قادة إيران ومواقفهم وتدخلاتهم، وليس ضد الشعب الإيراني، ويخطئ من يعتقد أن مظاهرات الشعب الإيراني مدعومة من جيران إيران، فكما نرفض تدخلاتهم لا نسمح لأنفسنا بالتدخل، لكنها مظاهرات تولدت من القهر والقمع والطغيان، فدولة بحجم إيران وإمكاناتها ومواردها وهذا حالها أمر يثير دهشتنا نحن، فكيف بالشعب الإيراني نفسه!

هو سؤال أوجهه لكل إيراني غير مخدوع بألاعيب حكامه وقيادة الحكومة الإيرانية: ماذا ترى حين تنظر إلى الدول المحيطة بك؟ ما هو حال الدول التي تدخلت فيها إيران؟ وما حال الدول التي رفضت التدخل الإيراني ومنعته؟ ستخسر إيران إن حصلت مواجهة بينها وبين العرب، نعم في الحروب الكل خاسر، لكن الخاسر الأكبر حتما سيكون الشعب الإيراني، فالعرب يمتلكون ميزات كثيرة تجعلهم قادرين على تحمل أي أزمات مهما كبرت، فعمقهم الجغرافي أكبر وتوحدهم العاطفي أقوى، لكن الشعب الإيراني إن لم يصلح الحال فإن مصيره محتوم بالضياع والشتات، وفقدان أي أمل بمستقبل أفضل.

@alharbit1