برجس حمود البرجس

لماذا «الجبيل الصناعية» أنموذج؟

الثلاثاء - 21 يناير 2020

Tue - 21 Jan 2020

ما إن تغرق أي مدينة بمياه أمطار وسيول إلا وتجد كثيرين يقارنون تلك المدينة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة أو مدينة جبلية أو تضاريسها مختلفة، بـ «مدينة الجبيل الصناعية»، حيث إنها نموذج يحتذى به، وهي حقيقة مدينة أنموذجية، ولكن علينا معرفة الفوارق.

في هذا المقال سأوضح المزايا التي ساعدت على بناء الجبيل الصناعية وتميزت بها، وسأوضح رأيي بالتحديات والصعوبات التي تواجهها البلديات والأمانات في المدن الأخرى. هذا ليس تبريرا للقطاعات والشركات التي قامت على العمل في المدن الكبيرة، بل توضيح وقراءة عميقة للأسباب.

مدينة الجبيل الصناعية وأحياؤها السكنية وشوارعها بدأت من الصفر، حيث تم اختيار وتحديد الأرض المناسبة (للمدينة الجديدة) وعمل عليها بتخطيط متكامل منذ البداية، وتم تطوير البنية التحتية بشكل متكامل بعكس بقية المدن (الرياض والدمام وجدة ومكة وغيرها) التي تمت مشاريعها مجزأة على سنوات وعقود من الزمن وتراكمية (ad-hoc).

الجبيل الصناعية وشوارعها وأحياؤها بنيت بتحالفات لمقاولين ومصممين وشركات تنفيذ وإدارة مشاريع وشركات استشارية من أفضل شركات العالم، وجرى البناء على أرض جديدة (green field)، وليس كبقية المدن التي تحتاج لربط مع مشاريع سابقة لم تأخذ بالحسبان التوسعات المستقبلية، فالمدن توسعت على عقود من الزمن، ودائما تضيف أحياء جديدة وتربطها بشبكات المدينة وطرقها، وهذا يصعب من تكامل البناء، وليس بناء من الصفر مثل الجبيل الصناعية. مدينة الجبيل الصناعية بُنيت تحت اشراف منظومة متكاملة تعي أهمية المشاريع وتنفيذها، وتأهيل وكفاءة المقاولين والشركات الاستشارية والتنفيذية، وأنظمة محاسبة وحوكمة عالية.

في المقابل، المشاريع التنموية للطرق داخل المدن الكبيرة والجسور والأنفاق ومشاريع تصريف الأمطار والسيول تم عملها بمشاريع متجزئة ومختلفة، وهذا يصعب من ربطها ببعضها، الشركات الإشرافية والاستشارية والمقاولون أيضا لم يكونوا بكفاءة الشركات التي عملت بناء مدينة الجبيل الصناعية، ولذلك تتضح أهمية كفاءة العناصر التي تعمل على البناء، حتى وإن كانت المشاريع صغيرة، إلا أنها مرتبطة بمنظومة بناء سبقتها ومشاريع أخرى ستأتي بعدها.

هذا صعب بناء شوارع متسعة، حيث ازدحم البناء وسط المدينة وعلى أطرافها أيضا، فلم يكن للبلديات الفرصة التي سنحت للجبيل الصناعية، وصعب كذلك على البلديات والقطاعات الأخرى للمشاريع بناء شبكة تصريف أمطار وسيول متكاملة، هذا واضح ولا يحتاج إلى شواهد، ويصعب من حل مشاكل التصريف والازدحام وغيرها من الظواهر التي نراها في المدن الكبيرة.

المشاريع تواجه تحديات ليست هندسية فحسب، بل إدارية لمشاريع قوية وشركات عالمية، وهذا موضوع مختلف عن موضوع مقال اليوم، ولكن القطاعات المسؤولة تعمل على برامج عدة لحل كثير من المشاكل، ونتمنى لها التوفيق في جميع مشاريعها.

السبب الثالث هو أن مدينة الجبيل الصناعية بنيت تحت أنظمة سهل التحكم بها ورقابتها وأعمالها محدودة، حيث يسكنها أقل من 200 ألف نسمة (أي أقل من 2% من سكان المملكة)، إضافة إلى السببين الآخرين اللذين ذكرناهما (اختيار موقع مناسب لبناء المدينة والبدء من الصفر على أرض خالية، واختيار شركات عالمية وحوكمة عالية لإدارة المشاريع).

الأمانات والبلديات الآن تعمل بطرق مختلفة وأفضل من السابق، وتشاركها هيئات تطوير المناطق، وهذا يعطينا دفعة كبيرة للأمل بحلول جذرية وإن طال الوقت لتنفيذها.

نحن بحاجة إلى مواجهة المشاكل بمشاريع لمعالجة أسباب المشاكل، فالموضوع ليس حل تصريف أمطار وتوسعة طرق، بل حل شبكات ومدن كبرت عشرات المرات خلال عقود قليلة من الزمن، والموضوع أيضا أن المدن الكبيرة ستتوسع وتكبر أكثر بكثير.

هناك شركات عالمية متخصصة بالمشاكل المعقدة وتعمل من نقطة بدء تتمحور حول وضعها الحالي بعد دراسة الوضع بالكامل، نتمنى التوفيق لقطاعات التخطيط والتنفيذ، فالذي يحاولون تقديمه هو بناء مدننا لكي ننعم بها.

Barjasbh@