ويسألونك عن..
الأربعاء - 15 يناير 2020
Wed - 15 Jan 2020
عندما يصاب البشر بالضبابية إذا غم عليهم شيء من أمور دينهم أو دنياهم يقعون في حيرة من أمرهم، وتواجههم ثلاث صدمات ترفع من معدل الاضطراب المعرفي أو تخفض من درجة اليقين القلبي لديهم، وهذه الصدمات تبدأ بالاستشعار بعدم الاستقرار النفسي، ومن ثم فقد التركيز الذهني، وآخرها التشتت الفكري، ويتعرضون كذلك لحالة خاصة أطلق عليها «التيه المعرفي» الذي يخالجهم بين ما يعلمونه وما لا يعرفونه.
وهنالك أيضا مستويات يتدرج فيها الإنسان بحسب وعيه وثقافته العامة لحلحلة الأحاجي الدائرة في عقله الواعي واللاواعي، فيبدأ الصراع الداخلي بين النفس والعقل. ومن ثم يعاوده بتساؤلات «من» و»كيف» و»أين»، فيبدأ بالتنقيب والبحث عن ضالته ثم يتنامى إلى ذروته ليصل إلى الحشرية المعرفية. فتبدأ مرحلة الاستبصار واليقين بأن جهله معلوم عند من يملك المعرفة، ويمكنه سبر أغوار المعضلة ويحل أركان المشكلة. ويقتنص الفرصة لطرح ما يخالج دواخله، وهي الحالة التي أسميها شخصيا إشباع «النهم المعرفي» نفسيا وعقليا.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع بدايات تثبيت ركائز الدولة الإسلامية قبل وبعد الهجرة، مترقبين ونهمين لمعرفة ما ينفعهم ويعينهم على أمور دينهم ودنياهم، بتكرار طرح الأسئلة على النبي عليه الصلاة والسلام، إلى أن أنزل الله تعالى قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) المائدة 101، وكذلك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «اتركوني ما تركتكم»، وهي رسائل موجهة للمؤمنين بعدم إرهاق النفس والبدن بتساؤلات قد تعرضهم لصرعات نفسية وتفرض عليهم عبادات تشريعية. والإسلام جاء ليخفف عنهم الجهد، ويريح نفوسهم بالسعد، ليسكنوا جنة الخلد.
والقرآن الكريم أوضح تلك التساؤلات في 13 موضعا جميعها تبدأ بـ «يسألونك عن» إلا موضعا واحدا وهو قوله تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الإسراء 85، فرأيت أنه التساؤل الوحيد الذي لا يحمل استفسارا دينيا أو دنيويا عن حدود أو تشريع أو أسلوب حياة، وليس بسؤال مادي ولا معنوي كباقي الإثني عشر سؤالا، لكنه تساؤل عظيم عن شيء خفي غير ملموس ولا محسوس، وغير متوقع ولا مدروس، وهو «الروح»، وسبب نزول الآية أن نفرا من اليهود سألوا النبي عليه الصلاة والسلام ما الروح؟ فأنزل الله آياته وحيا منزلا بأن ما يسألون عنه هو من أمره وسلطته وجبروته. وفي آخر سياق الآية الكريمة ذكر لنا المولى جل وعلا «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، وهذا العلم القليل الموهوب لنا من الواهب يسوقني إلى أن أعقد مقارنة بين الروح الربانية والنفس البشرية.
وفي رأيي أن الروح من علم الله الأزلي القديم ومن سلطانه العظيم؛ وأول من اكتسب من الروح الربانية هو أبو البشرية، حيث قال تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) الحجر الآية 29، وبذلك تناقل بنوه نفحات هذه الروح العظيمة وصفاتها الراسخة القويمة.
والروح تختلف عن النفس، فالأولى كريمة وعزيزة من لدن كريم عزيز، والثانية متأرجحة ومتقلبة جراء الإغواء الشيطاني لأول الخلق، والروح تشاركية لجميع البشر، وتبث الدافع الإيجابي لهم، قال تعالى (ولا تيأسوا من روح الله) يوسف الآية 87، وهي الرابط الخيري من خلال التخاطر البيني والارتياح الوجداني. قال عليه الصلاة والسلام (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، والروح نزيهة بطبعها تصعد إلى بارئها بوفاة الإنسان، أما النفس فأمارة بالسوء ودائمة اللوم إلى أن تركد وتطمئن، وهي تخص كل فرد بعينه وتؤثر على سلوكياته وعاداته ومعتقداته وأفكاره، لذلك يخطئ كثيرون بتعريف المسكرات بالمشروبات الروحية، بل هي مشروبات مذهبة للعقل بفعل إيحاء سوء النفس. والروح جامعة لكل خير مانعة عن كل شر، والنفس تقتبس الخيرية من الروح أحيانا ويداخلها الشر من نزعاتها مرات. فسبحان من بث الروح لتحيا بها النفس.
@Yos123Omar
وهنالك أيضا مستويات يتدرج فيها الإنسان بحسب وعيه وثقافته العامة لحلحلة الأحاجي الدائرة في عقله الواعي واللاواعي، فيبدأ الصراع الداخلي بين النفس والعقل. ومن ثم يعاوده بتساؤلات «من» و»كيف» و»أين»، فيبدأ بالتنقيب والبحث عن ضالته ثم يتنامى إلى ذروته ليصل إلى الحشرية المعرفية. فتبدأ مرحلة الاستبصار واليقين بأن جهله معلوم عند من يملك المعرفة، ويمكنه سبر أغوار المعضلة ويحل أركان المشكلة. ويقتنص الفرصة لطرح ما يخالج دواخله، وهي الحالة التي أسميها شخصيا إشباع «النهم المعرفي» نفسيا وعقليا.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع بدايات تثبيت ركائز الدولة الإسلامية قبل وبعد الهجرة، مترقبين ونهمين لمعرفة ما ينفعهم ويعينهم على أمور دينهم ودنياهم، بتكرار طرح الأسئلة على النبي عليه الصلاة والسلام، إلى أن أنزل الله تعالى قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) المائدة 101، وكذلك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام «اتركوني ما تركتكم»، وهي رسائل موجهة للمؤمنين بعدم إرهاق النفس والبدن بتساؤلات قد تعرضهم لصرعات نفسية وتفرض عليهم عبادات تشريعية. والإسلام جاء ليخفف عنهم الجهد، ويريح نفوسهم بالسعد، ليسكنوا جنة الخلد.
والقرآن الكريم أوضح تلك التساؤلات في 13 موضعا جميعها تبدأ بـ «يسألونك عن» إلا موضعا واحدا وهو قوله تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) الإسراء 85، فرأيت أنه التساؤل الوحيد الذي لا يحمل استفسارا دينيا أو دنيويا عن حدود أو تشريع أو أسلوب حياة، وليس بسؤال مادي ولا معنوي كباقي الإثني عشر سؤالا، لكنه تساؤل عظيم عن شيء خفي غير ملموس ولا محسوس، وغير متوقع ولا مدروس، وهو «الروح»، وسبب نزول الآية أن نفرا من اليهود سألوا النبي عليه الصلاة والسلام ما الروح؟ فأنزل الله آياته وحيا منزلا بأن ما يسألون عنه هو من أمره وسلطته وجبروته. وفي آخر سياق الآية الكريمة ذكر لنا المولى جل وعلا «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»، وهذا العلم القليل الموهوب لنا من الواهب يسوقني إلى أن أعقد مقارنة بين الروح الربانية والنفس البشرية.
وفي رأيي أن الروح من علم الله الأزلي القديم ومن سلطانه العظيم؛ وأول من اكتسب من الروح الربانية هو أبو البشرية، حيث قال تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) الحجر الآية 29، وبذلك تناقل بنوه نفحات هذه الروح العظيمة وصفاتها الراسخة القويمة.
والروح تختلف عن النفس، فالأولى كريمة وعزيزة من لدن كريم عزيز، والثانية متأرجحة ومتقلبة جراء الإغواء الشيطاني لأول الخلق، والروح تشاركية لجميع البشر، وتبث الدافع الإيجابي لهم، قال تعالى (ولا تيأسوا من روح الله) يوسف الآية 87، وهي الرابط الخيري من خلال التخاطر البيني والارتياح الوجداني. قال عليه الصلاة والسلام (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، والروح نزيهة بطبعها تصعد إلى بارئها بوفاة الإنسان، أما النفس فأمارة بالسوء ودائمة اللوم إلى أن تركد وتطمئن، وهي تخص كل فرد بعينه وتؤثر على سلوكياته وعاداته ومعتقداته وأفكاره، لذلك يخطئ كثيرون بتعريف المسكرات بالمشروبات الروحية، بل هي مشروبات مذهبة للعقل بفعل إيحاء سوء النفس. والروح جامعة لكل خير مانعة عن كل شر، والنفس تقتبس الخيرية من الروح أحيانا ويداخلها الشر من نزعاتها مرات. فسبحان من بث الروح لتحيا بها النفس.
@Yos123Omar