العريفي دلال

العقلية الآمرة الناهية..وإدارة الناس

الخميس - 09 يناير 2020

Thu - 09 Jan 2020

يقول روبرت هاس «إن أول تحد حقيقي لنا كمديرين يكمن في التخلص من أساليب التأثير القديمة، وعلى المؤسسات التي تطمح إلى النجاح أن تتخلى عن السياسات والإجراءات العقيمة التي تقيد الناس، وأن تترك العقلية الآمرة الناهية التي يتميز بها المديرون، وتفسح المجال لإقامة حوار ثنائي مع الأفراد وأخذ رأيهم».

لكن يبدو أن السيد روبرت تراجع بعد ذلك عن هذه الآراء، حين اعترف في مقابلة صحفية معه أنه من الصعب التخلي عن الأنماط القديمة التي ساعدت كثيرا على تحقيق النجاحات في الماضي، وأن ممارسة الأمر والنهي كثيرا ما تنقذ المؤسسة من التخبطات والتأخر في تحقيق فرص التقدم، وتساعدها على تجاوز كل التحديات.

أعتقد أن روبرت هاس كان محقا تماما في رأيه الأول، ومحقا أكثر في رأيه الأخير. فإدارة الناس والمؤسسات، وأحيانا التحكم والسيطرة، ضرورية جدا لضمان وصول المؤسسة بمن فيها إلى مرافئ السلامة! فقد يصل الأمر في بعض المؤسسات التي توشك على الانهيار إلى أن تسند إدارتها إلى قائد يتميز بسداد الرأي، ويتسلح بقوة القرار، ويمتلك الشجاعة لإعطاء الأوامر والنواهي للعاملين بشكل يضمن تحقيق غايات المؤسسة، فلا نتوقع منه أن يستشير الأفراد أنفسهم الذين بقوا في أماكنهم دون محاولة منهم لتصحيح الأوضاع، أو الارتقاء بالعمل، أو حتى محاولة الضبط أو الإمساك بدفة قيادة مركبهم، بل قد يكونون هم سببا أو أسبابا لتعثر المؤسسة سابقا! وهنا يكون الاعتماد الأكبر على شجاعة الإدارة في استخدام تلك العقلية «الآمرة الناهية» دون تسلط أو تعد على حقوق الآخرين، فيكون استخدامها واللجوء إليها كوسيلة إنقاذ وقت العواصف والأزمات الإدارية، لكنها لم تأت ولن يقبل أن توظف لتقييد الناس، أو البغي عليهم.

ومؤكد أن وجود المدير الآمر الناهي في بيئات الأعمال أمر غير مستحب، فالأفراد بمختلف المستويات لا بد أن يشعروا بأنهم جزء من المكان، وأن لهم من الأهمية والأثر الشيء الكثير، وأنهم محل ثقة إدارتهم، ومصدر فخر لها.

ومشاركة الموظفين للإدارة في الرأي وصناعة القرارات كفيلة بأن تنسج خيوط الولاء والعطاء الوظيفي لديهم. فالموظف المشارك ليس كالموظف المتلقي للأوامر أبدا، لكن وضع المؤسسة وظروفها ومستوى العاملين بها وعوامل أخرى أكثر قد تؤثر على مدى احتياجنا لتلك العقليات أو الأساليب القديمة من عدمه. ولا يمكن أن نحكم بشكل عام على تلك الإجراءات بالعقيمة بينما هي تنجب نتائج متميزة في بعض بيئات العمل. لكننا نتفق جميعا أن عقلية الأمر والنهي لا يمكن أن تكون أداة مع من يعتقد أنه لا يريكم إلا ما يرى! فهؤلاء لا ينبغي أن يسمح لهم بممارسة القيادة والإجرام الوظيفي في حق البشر.

والقيادة المتميزة هي التي تدرك متى تحتاج العقلية الآمرة الناهية لإدارة الناس والمؤسسات، ومتى تخلعها وتستبدلها بالعقلية القيادية الشورية. فباختلاف الأفراد والمؤسسات والظروف، تختلف وتتنوع الأنماط القيادية، ولعل الشعار هنا «لكل مؤسسة نمط يلائمها وعقلية».

darifi_@