ياسر عمر سندي

الموطوطون المتواطئون

الأربعاء - 08 يناير 2020

Wed - 08 Jan 2020

الوطوطة وما أدراك ما الوطوطة! بزعمي أنها صفة لحال الوطاويط في التنقل والطيران داخل المناطق المعزولة والنائية وكذلك المهجورة، ومن صفاتها أيضا أنها تبصر بأذنيها لمعرفة خارطة طريقها واتجاهاتها المعتمة، فهي تتحرك مستخدمة حدة الإنصات وقوة الاستماع، وذلك بإرسال ذبذبات مباشرة لتتلقى ترددات الأجسام والصدى المنعكس إليها جراء ذلك.

ما أرمي إليه هو أن بعض البشر في مجتمعاتنا المختلفة، خاصة في البيئات العملية والعمالية للمنظمات والشركات، يتقمصون هذه الصفات ويوطوطون بسلوكيات غير نزيهة، ونحن عندما نشاهد أحوال طيور الوطاويط وطريقة معيشتها لا نملك إلا التعجب بقول سبحان الخالق فيما خلق وفلق وأوزع وأبدع، وبالمقابل نشعر بالوجل والخجل من الكيفية التي يتجسدها هؤلاء البشر الموطوطون في محيط العمل، فهم يتجولون ويتحولون من أخمص أقدامهم إلى منابت شعرهم آذان رادارية وتجسسية لا تبصر إلا ما تمليه عليهم مسامعهم من غيبة ونميمة وبهتان وعدوان، من هذا إلى ذاك ومن موظف إلى مدير، ومن إدارة إلى إدارة ومن مستوى تنظيمي إلى آخر، وهكذا.

ومن سلوكيات الوطاويط أيضا أنها تستقر في أماكنها بشكل منقلب رأسا على عقب، وهو سلوك الموطوطين في انقلاب حالهم وانتكاسة أوضاعهم وتصرفاتهم مع من حولهم، طمعا في تحقيق التقرب من السلطة أو رغبة في نيل ترقية أو علاوة أو حظوة تنظيمية.

وإضافة إلى ذلك فإن الوطاويط تتغذى على امتصاص دماء فرائسها مثلما يتواطأ الموطوطون داخل المنظمات ويتحزبون لإحداث الضرر والإيقاع بالموظفين وامتصاص جهودهم ونجاحاتهم. فالوطاويط تتخفى نهارا وتنشط ليلا؛ وكذلك هم موطوطو المنظمات دائمو التهرب والمراوغة وعدم الوضوح، وينشطون في البيئات الظلامية للتخطيط والتنسيق للوصول إلى مصالحهم الخاصة.

ما أجده من هذه المقارنة بين الوطاويط الطائرة والموطوطين السائرين، هو تقارب الملامح الوصفية والشكلية بامتلاك القبح التعاملي والتبادلي خُلقيا وسلوكيا في محيط الأعمال، بغرض خفض الأداء وزعزعة الولاء والانتماء.

من وجهة نظري السلوكية والتنظيمية أرى أن هنالك ثلاثة تصنيفات ومستويات لهؤلاء الموطوطين المتواطئين، وهي كالآتي:

• التنفيذي الوطواط، هو ذلك الذي يقبع داخل كهفه التنظيمي في أعلى سلطة إدارية، ويسخّر كل الإمكانات لإطلاق موطوطيه، ونشرهم في المستويات التنظيمية المختلفة العليا والوسطى والدنيا، ويعمل من خلال سرب كبير يحيطه، يتصيدون له الطرائد ويقلبون له الحقائق، وهو يدعمهم بكل ما أوتي من قوة مستعينا بوطاويط بشرية تعيش وتقتات على مصالح الموظفين.

• المدير الوطواط هو ذلك الإداري في المستوى التنظيمي الأوسط. والذي يغذي من يعلو عليه بالتزلف ونقل الأخبار، ويتغذى على من هو أدنى منه بنشر الإشاعات والتغطية والأسرار، متواطئ محترف يعتمد على استراق السمع من زملائه المديرين والموظفين وينقلها إلى التنفيذيين، وهو اللاعب الرئيس في تشكيل اللجان والمجموعات الموطوطة، وخلق البيئات المشحونة والخانقة، وصاحب استراتيجية فرق بينهم تسد، وتصيد أخطاءهم تمتلك.

• الموظف الوطواط هو ذاك الموظف في المستوى التنظيمي الأدنى ومعه مجموعة ممن جندوا أنفسهم لتشكيل بيئة تنظيمية مظلمة بمساعدة المدير الوطواط، ومن فوقه التنفيذي الوطواط، لتفعيل دور الوطوطة بين جنبات المكاتب وسراديب الإدارات بتظليل الحقائق والمعلومات وطمس الإبداعات والنجاحات وتهميش الإمكانات والقدرات.

الواجب على كل مسؤول في جميع المستويات التنظيمية لكل شركة ومنظمة أن يتخذ خطوات وقائية وعلاجية كالآتي:

• استشعار الخوف من الله ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

• تعزيز جانب الغيرة الانتمائية بالمميزات التحفيزية.

• ملاحظة مواطن التحزبات وتكون الشللية وتفكيكها.

• العمل على رفع الروح المعنوية باستراتيجية الوضوح في التعاملات.

• تمكين الموظفين بالمشاركة الجمعية في صنع القرارات، وإبراز دور المؤهلين بالجدارات.

• التركيز على تدريب البرامج الإدارية والسلوكية المستدامة.

وأخيرا نسأل الله أن يحمي مجتمعنا ومنظماتنا من الموطوطين المتواطئين.

@Yos123Omar