غزل اليزيدي

برامج حماية الطفل في السعودية بين الواقع والتطلعات

السبت - 04 يناير 2020

Sat - 04 Jan 2020

للطفل مكانة مهمة في المملكة العربية السعودية، نظرا لما يتطلبه من اهتمام ورعاية شديدين في صغره، ولكونه مستقبلها، وأي استثمار فيه هو استثمار في مستقبل الوطن. اهتمام السعودية بحقوق الطفل ليس بالجديد عليها، فهذا أمر متبع منذ سنين طويلة. هذا الاهتمام والحرص نابعان من تعاليم الشريعة الإسلامية التي تحرص على حفظ حقوق البشر على اختلافهم. من هنا أتى اهتمام الدولة وحرصها على إعطاء الطفل الحماية والاهتمام اللذين يستحقهما.

من المهم معرفة انضمام السعودية للاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، لتثبت في المحافل الدولية اهتمامها الداخلي بإحدى أهم القضايا على الساحة، ولدحض أي أفكار خاطئة عنها وعن مجتمعها، حيث انضمت لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1995، واتفاقية «عهد حقوق الطفل في الإسلام» التي اعتمدتها منظمة التعاون الإسلامي عام 2005.

يذكر أن السياسات والتشريعات الداخلية السعودية أولت الاهتمام الكبير بحقوق الطفل، بما يضمن له الرعاية التعليمية والصحية والاجتماعية وغيرها، جميعها محددة بجداول زمنية لمراقبة النتائج والنهوض بها. على سبيل المثال من هذه السياسيات، نصت المادة العاشرة من النظام الأساسي للحكم على «حرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم». هذا يوضح ما تتمتع به الأسرة في المجتمع السعودي من رعاية واهتمام، وما يكفله القانون من ضمان لحقوقها، كونها عماد المجتمع وأساسه.

وكذلك اللائحة التنفيذية لنظام حماية الطفل، الصادرة بموجب مرسوم ملكي، تضمنت أيضا عديدا من البنود التي تضمن للطفل جميع الحقوق الواجبة له. هذه الحقوق تبدأ قبل ولادته، حيث حرمت الشريعة الإسلامية الإجهاض (إلا لأسباب صحية)، وحتى بلوغ الطفل السن القانوني وقد تمتع بكل الحقوق التي يستحقها.

هذا يعني تسخير جميع المؤسسات والهيئات في الدولة للعمل على منح الطفل جميع الحقوق التي يتطلبها لينشأ النشأة السليمة. جزء كبير من دورها يتمثل في التثقيف ونشر الوعي نحو المشاكل التي قد يتعرض لها الأطفال وسبل الحد منها، حيث توجد العديد من البرامج والهيئات التي تختص بحماية الطفل، مثل نظام الحماية من العنف والإيذاء ويهتم بمتابعة حالات العنف الجسدي والإهمال الأسري الذي يتعرض له الأطفال، ويشمل التدخل جميع أفراد الأسرة التي تعرض فيها الطفل للضرر، وتتخذ الجهات المعنية الإجراءات الواجب اتخاذها ومتابعتها بما يحقق أفضل سبل الرعاية للطفل واستقراره.

برنامج الأمان الأسري أيضا لا يقل أهمية، كونه من المؤسسات المعنية بحماية الأطفال من العنف، ومن مشاريعها «خط مساندة الطفل» الذي يختص بتلقي بلاغات العنف التي يتعرض لها الأطفال، واتخاذ الإجراءات اللازمة. جميع هذه المؤسسات وغيرها تقوم بمهام جبارة على أكمل وجه لحفظ حقوق الطفل، وخصصت أرقاما هاتفية للرد على الاستفسارات واستقبال البلاغات من مختلف المناطق.

من المهم الإشارة إلى أن الشريحة المستهدفة من هذه الأرقام هي الأطفال. تعددها وعدم تكونها من أرقام قصيرة ومميزة قد يؤديان لتشتت الأطفال ونسيانهم لها. لذا، نجد أن نسبة لا يستهان بها من الأطفال وحتى الكبار لا يعرفها أو يعرف نوع الخدمة المقدمة، إضافة لأنها لا تعمل طوال اليوم، مما يعني أن هناك ساعات محددة في اليوم قد يلزم الأمر تقديم بلاغ أو أخذ مشورة تتعلق بمصلحة الطفل ولا يوجد مجيب.

أحد السبل لحل هذه المشكلة يتمثل في إيجاد رقم مميز وقصير، كأرقام الطوارئ التي تبدأ بالرقم تسعة وتتكون من ثلاثة أرقام، من الأرقام المقترحة والشاغرة 919، حيث يمتاز بأنه قصير وسهل الحفظ للأطفال والكبار، وبالإمكان تخصيصه لنجدة الأطفال ومتابعة البلاغات المتعلقة بقضاياهم طوال اليوم.

من جهة أخرى، فإن إحدى الطرق لزيادة تعريف الأطفال بهذه الأرقام أن تنشر في أماكن تجمعهم، كالمؤسسات التعليمية على اختلاف مراحلها، وتحديدا في الساحات المدرسية حيث أماكن تمركز الطلبة، ليطلع الجميع عليها وتسهل معرفة تخصصاتها، إضافة لنشرها في النوادي الرياضية للأطفال والمرافق الصحية لهم في المستشفيات. هذه الطرق متبعة في عدد كبير من الدول وحققت الأهداف المرجوة.

إضافة لهذا، واستكمالا للتعاون المهم والقائم بين وزارة التعليم في بعض مدارسها وبين المؤسسات المعنية بزيادة التوعية ببرامج حقوق الطفل، فإنه من الضروري إنشاء تعاون يمتد لبقية المدارس على اختلاف مراحلها والجامعات من ناحية، وبين الجهات المسؤولة عن حماية الطفل من ناحية أخرى. أي إن الموظفين في مكاتب الشؤون الاجتماعية في المدارس والجامعات، إضافة لأعضاء هيئة التدريس لقسم القانون، لا بد من تزويدهم بآخر المستجدات من برامج وقوانين فيما يخص حماية الطفل.

بصفة عامة، يلجأ الطلبة لطلب الاستشارات القانونية من أعضاء هيئة تدريس قسم القانون، لما يمتازون به من معرفة ودراية قانونية، وتكون الاستشارات في مختلف القضايا من ضمنها قضايا الطفل. هؤلاء الأعضاء لا بد من تزويدهم بآخر المستجدات فيما يخص حماية الطفل، حيث إن بعضهم قد لا يعلمها لعدم اختصاصه بها أو لكونه من خارج المملكة ولديهم قوانين مختلفة. على سبيل المثال، بالإمكان عمل ورش عمل تعريفية أو إرسال مقاطع فيديو توضيحية أو خطابات تحتوي على ما استحدث في هذا المجال، لشرح القوانين من الوزارة التي استحدثت القانون أو الإجراء، ويُرسل لموظفي مكاتب الخدمات الاجتماعية في المؤسسات التعليمية ولأعضاء هيئة التدريس من القانونين.

ختاما، إن دمج قنوات الاتصال لتلقي البلاغات المختصة لحماية الأطفال وقضاياهم، سيؤدي إلى تحسين جودة العمل المقدم، نظرا لتكاتف جهود المؤسسات المختلفة تحت مظلة واحدة. بمعنى تخصيص رقم واحد لتلقي البلاغات، واتخاذ الإجراء المناسب والتعامل مع كل حالة بحسب ما تطلبه في حينه، ولاحقا توجه الحالة للمؤسسة المختصة لمتابعتها بحسب ما تقتضيه الحاجة.