عبدالله زايد

إيران وتركيا والمال القطري المهدور!

الخميس - 02 يناير 2020

Thu - 02 Jan 2020

عندما تستعرض الدول التي ترزح تحت نير الحروب الداخلية الطاحنة وتعاني من التعثر التنموي والفقر والتشرد والفاقة، ستجد أن معظمها تقع ضمن النطاق الجغرافي من منطقتنا، حتى تلك الدول التي كانت تعيش رفاها معيشيا وترابطا اجتماعيا باتت مسرحا للفوضى.

وخلف هذه الحالة أبحث دوما عما يسمى بالإسلام السياسي، ابحث عن الأيديولوجية الانتهازية التي توظف الدين لتحقيق مكاسب على حساب أمن الناس واستقرارهم: العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، الصومال؛ جميعها دول تملك موارد اقتصادية وتتمتع بطاقات بشرية كبيرة، ولها عمق تاريخي ضارب في الزمن، وجميعها كانت موئلا للحضارات منذ القدم حتى عصرنا الحاضر. لكن هذا الزخم التاريخي والتجربة البشرية العظيمة لم يشفعا لها في تجاوز التطرف والتغلب على أصوات التعصب والانتهازية والكراهية.

العراق سقط في براثن العدو الإيراني، والشعب هناك يكافح من أجل التحرر من هذه الهيمنة الغاشمة، بعد أن استوعب أن ما يقوله رجال الدين لا يجلب الأمن ولا الخبز ولا الاستقرار، بل هم من باعوا الحضارة والقيم. سوريا مسرح للجماعات المتطرفة التي ترفع شعار الحرية، جلبت الروس وإيران والترك، فباتت مشاعة للجماعات المتطرفة والدول الطامعة، وإن كنت تريد معرفة السبب ابحث عن الانتهازية واستغلال الدين. ليبيا وجه آخر يوضح هذا المعنى، عصابات متطرفة تتحكم بوطن وشعب تحت تهديد السلاح، نتائج هذه السياسة ماثلة وواضحة ولا تخطئها العين. أما الصومال فهي الأقدم هما وتعثرا، وهي مرتع لهذه الجماعات منذ أمد، وإن كنت تريد أن تعرف سطوة عصابة ترفع شعارات إسلامية وتلغي معنى الدولة والشرعية فلا تذهب بعيدا ففي اليمن مثال صارخ للجهل والسطحية.

هذه دول ابتليت بميليشيات وجماعات متطرفة جميعها تتفق على رفع الشعار الإسلامي وتوظفه، كل على طريقته ومنهجه المتطرف، يتحدون لاستغلال ديننا، يسلبون ناسهم وأهلهم الحياة ويسلمون دولهم لقمة سائغة للعدو، هذه دول عربية تمت مصادرة استقلالها، ونشر الخراب في أرجائها وتهجير شعوبها، بسبب جماعات وأحزاب استدعت إيران وتركيا، لتنتهك حقوق الناس وتضرب سلمهم وتدك بيوتهم وتخرب أوطانهم.

ولا أجد ما أصف به هذه الحالة سوى تلك الكلمات التي قيلت قبل أكثر من ستمئة عام على لسان عالم العلوم الاجتماعية ابن خلدون في مقدمته «الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة جدا في عصور التراجع الفكري للمجتمعات». وبالفعل إنها تجارة رائجة في هذا الزمن الذي نشهد فيه تراجعا معرفيا وثقافيا وعلميا تعانيه مجتمعات عدة في عالمنا العربي.

ولو لم يكن الحال مترديا ومؤسفا لما استطاعت دولة مهزوزة عنصرية وطائفية مثل إيران أن يكون لها حضور وسطوة وتدخل سافر في أكثر من عاصمة عربية، ولما رأينا تنظيما مفلسا مثل الإخوان يعلو صوته، ولما كانت تركيا الملطخ تاريخها بالدماء والمذابح لشعوب كاملة، التي علقت الأبرياء على حبال المشانق وتحالفت مع النازية وتقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة مع إسرائيل؛ قدوة ومثلا لقضايانا وكأنها منقذة ومخلصة، وفعلا لم يكن لا لإيران ولا لتركيا ولا للإخوان من مساحة ولا صوت لو لم يستخدموا الدين الإسلامي وتوظيفه والتأثير على الشعوب.

ببساطة متناهية المهارة التي تملكها إيران وتركيا ومعهما الحليف الوثيق تنظيم الإخوان الإرهابي والمال الذي تهدره قطر، هي مهارة البيع والشراء لديننا لا أكثر، وكان من المطلوب أن نهبط أخلاقيا نحو القاع الإنساني لمباراتهم ومبارزتهم، لكننا آثرنا الصعود بقيمنا ومبادئنا، الصعود بحضارتنا وتطورنا وتقدمنا، الصعود بعلومنا ومبتكراتنا، الصعود نحو غزو الفضاء ونحو التطور الطبي، آثرنا المستقبل على النياح والعويل والسواد.

وعلى بلدان ومجتمعات مثل السعودية والإمارات قيادة الأمل بأن أمتنا العربية ما زالت بخير، وستظل قوية منعمة تقود شعوبها نحو مسابقة أمم الأرض نحو الرقي والتطور والنمو البشري.

abdullahzayed@