نمر فهيد السبيلة

تكلس الأوعية الدموية

الجمعة - 27 ديسمبر 2019

Fri - 27 Dec 2019

تعد أمراض القلب والأوعية الدموية من الأمراض التي تسبب الوفاة المفاجئة، وهي منتشرة بشكل واسع في العالم العربي بسبب العادات السلبية في نمط الحياة. وتشير الإحصاءات إلى أن معدل الوفيات في هذه الأمراض يزداد سنويا، فبين كل 100،000 شخص يوجد 57 شخصا مصابا بها في الخليج العربي، إذ هي الأعلى معدلا مقارنة بالأمراض الأخرى. ومن أبرز أنواعها: تصلب الشرايين الناجم عن زيادة معدل الكوليسترول في الدم والذي يتفاقم بعد فترة من الزمن إلى التكلس.

يعود تاريخ التكلس إلى القرن الماضي، حيث وجد العالم جون مونكبيري عام 1903 تصلبا ناجما عن زيادة الدهون المتراكمة (اللويحات) على غير العادة على جدران الأوعية الدموية عند بعض المرضى، وبعد إجراء بعض الفحوصات وجد أن كمية الكالسيوم في الدم عالية؛ لذا أطلق عليه (تصلب مونكبيري).

تحدث هذه العملية من خلال ترسب الكالسيوم أو عند زيادة مستوى البلورات الناتجة عن ارتباط الكالسيوم بالفوسفات في الدم، مما يكسب الوعاء الدموي صلابة يفقدها مرونتها، وبالتالي يصعب تدفق الدم إلى أجزاء الجسم، وبعد فترة تنتقل إلى مرحلة الانسداد الوعائي نتيجة تراكمها، مما يؤدي إلى تمزقه ومن ثم تنفجر هذه اللويحات مسببة هجرة خلايا عضلات الملساء، والتي تتواجد في الطبقة الثانية من طبقات الوعاء الدموي، إذ لها دور في عملية ضبط مقدار الاتساع والتضييق في الوعاء بسبب احتواها على مادة أكسيد النتريك الغازية، إضافة إلى أن لها دورا في إفراز بعض البروتينات المهمة لوقف عملية التكلس (البروتينات المانعة للتكلس)، ومن ثم تؤثر هذه البلورات على هذه خلايا وتحولها إلى خلايا أشبه بخلايا بناء العظام التي تلعب دورا في زيادة إنتاج هذه البلورات.

وتشير الدراسات الإكلينيكية إلى أن التكلس قد لا يكون ناجما فقط عن مضاعفات أمراض القلب والأوعية الدموية، بل ينجم أيضا من أمراض الكلى، خاصة في مرحلة غسيل الكلى. ومن هذه الدراسات دراسة أجريت على 842 مريضا يعانون من أمراض الكلى، ومتوسط أعمارهم ما بين 51- 65 سنة، حيث كانت النتيجة أن 90% منهم يعانون من التكلس.

وأنوه هنا إلى أن الحصوة التي تحدث في الكلى لا تعد إحدى عمليات التكلس، لأن التكلس يتكون من بلورات كالسيوم وفوسفات، وحصوة الكلى تتكون من كالسيوم أوكسالايت، وهي سهلة التفتيت كما هو مستخدم في مرحلة العلاج، كاستعمال دواء يعمل على توسيع عضلات الحالب، مما يساعد في التخلص منها عن طريق البول.

ويعد السكري كذلك أحد عوامل التكلس، لأن زيادة معدل الجلوكوز في الدم يساعد على تحفيز الوحدة الوراثية الخاصة بالتكلس ويدعى (Cbfa1)، وعلاوة على ذلك فقد أظهرت الإحصاءات الصادرة من الجمعية السعودية للغدد الصماء والسكري أن معدل الحالات المسجلة لمرض السكري تجاوزت4 ملايين لعام 2017، وهذا مؤشر خطير، إذ يسهم في زيادة أمراض القلب والأوعية الدموية التي بدورها تؤدي إلى التكلس في المدى القريب.

ويعد التهاب المفاصل من المسببات أيضا، إذ يعمل على تصلب الأنسجة الناعمة بسبب زيادة نشاط الخلايا المناعية بشكل سلبي، مما يسبب زيادة في إفراز كمية البلورات. ومن العوامل أيضا العرق، فقد يصيب التكلس معظم الأعراق ما عدا العرق الأفريقي، والسبب يعود لوجود بروتينات مانعة للتكلس بنسب عالية تمنع حدوثها.

وتم التوصل إلى أن التكلس يحدث في الذكور أكثر من الإناث، بسبب وفرة هرمون البروجيسترون في النساء، مما يساعد على تقليص أمراض القلب المزمنة.

ومن أهم طرق التشخيص: فحص مستوى الكالسيوم وكمية الكيراتنين (Creatinine Serum) في الدم، ومعدل الترشح الكلوي (eGFR)، ومن خلال الأشعة السينية (X-ray) لتحديد حجم البلورة المتكونة، وقد يستخدم الأخير في الكشف المبكر لها.

أما طرق علاجه، فلا يوجد علاج محدد، حيث يعتمد على نوع التكلس الحاصل في أعضاء الجسم، ومنها البيوفسفينات (Bisphosphonates)، وصوديوم ثيوسليفات (SodiumThiosulfate)، وكلاهما يمنعان ترسب البلورات في الأوعية الدموية.

وتوصل العلماء إلى أنه يوجد فيتامين K2 الذي يعمل على تحفيز الوحدة الوراثية التي تدعى ماتركس (Matrix Gla Protein)، والتي توقف تكوين البلورات في الأوعية الدموية. ومن ناحية أخرى يعد أكسيد النتريك مهما في تنظيم عمل الأوعية الدموية. ومع الأسف، تم التوصل حدثيا إلى أنه غير فعال في علاج تكلس الشريان التاجي للفئران عند مستويات عالية من البلورات، بل يزيد ويسهم في تكونها، ولكن هل يحدث ذلك في مرضى القلب والأوعية الدموية أم لا، لا نعلم إلى الآن؟!

تذكر عزيزي القارئ أن الكالسيوم مهم جدا في عمليات حيوية كثيرة في أجسامنا، كبناء العظام والأسنان وغيرها، ولا بد من تناوله بشكل يومي. وغير صحيح أن تناوله بكميات كبيرة يحفز عملية التكلس، ولكن يعد التكلس حالة نادرة وعلى مرحلة عمرية قد تبدأ من 58 سنة، وعند ظهور بعض الأمراض المزمنة كالضغط والسكري والفشل الكلوي.