محمد العوفي

تغير قواعد المنافسة في تجارة الجملة والتجزئة

الثلاثاء - 21 يونيو 2016

Tue - 21 Jun 2016

ما إن وافق مجلس الوزراء السعودي خلال الأسبوع الماضي على الضوابط والشروط اللازمة للترخيص للشركات الأجنبية للاستثمار في قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة ملكية 100 %، حتى بدأت السعودية تعلن تباعا خلال زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحالية للولايات المتحدة تسليم تراخيص الاستثمار في هذا القطاع للشركات الأجنبية.

وبحسب تصريحات وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي، فإنه سيتم منح تصريحين آخرين لشركتي «3 إم» و«فايزر» العملاقتين لدخول السوق السعودية بعد الترخيص الممنوح لشركة «داو كيميكال» الأمريكية، وبذلك يكون عدد التراخيص التي منحت حتى الآن ثلاثة تراخيص للاستثمار في هذا القطاع، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي أكدت على تخفيف القيود المتعلقة بالملكية والاستثمار الأجنبي في قطاعي الجملة والتجزئة لجذب العلامات التجارية الإقليمية والعالمية، بما يسهم في إيجاد فرص العمل للمواطنين في هذا القطاع.

وقبل الدخول في الأثر المتوقع من فتح السوق السعودية، لا بد أن نعرف أن الشركات العملاقة فيما يتعلق بدخولها للأسواق الأجنبية تتبع أحد المسارين، شركات ترفض نظام الوكالات التجارية أو الشريك المحلي، وتفضل دخول السوق والبيع المباشرة كعملاق صناعة الهواتف «أبل»، وعلى العكس منها، هناك شركات تفضل نظام الوكيل أو الشريك المحلي، ونجاحها في ذلك يجعلها تفضل الاستمرار فيه، ولكل منهما أسبابه الخاصة في ذلك.

وعليه فإنه يمكن القول إن المستهدف بهذا القرار هي الشركات التي ترفض الوكالات التجارية أو الشريك المحلي، وتفضل دخول السوق والبيع المباشر أولا، وهو بحد ذاته إيجابي للتنافسية في قطاعات معينة، لأن الشركات التي تفضل نظام الوكيل موجودة في السوق السعودية، لكن فتح الباب أمام الاستثمار المباشر قد يقود هذه الشركات إلى إعادة تقييم علاقتها مع الشريك المحلي، وربما تتجه إلى الاستثمار المباشر للاستفادة من مزايا البيع المباشر في السوق، وفي كلتا الحالتين المستهلك النهائي هو المستفيد سواء كان ذلك بانخفاض أسعار بعض السلع أو بالاستفادة من خدمات ما بعد البيع، ورفع كفاءة التشغيل والجودة، وتعدد الخيارات والبدائل أمام المستهلك.

عموما، المستثمرون الأجانب في هذا القطاع لديهم تصور كامل عن جاذبية هذا القطاع ونموه المستقبلي؛ ويدركون جدوى الاستثمار فيه وخطواتهم محسوبة جيدا، فلولا جاذبيته ما كانت الرغبة في الاستثمار بهذه السرعة، فنسبة النمو السنوية لهذا القطاع خلال السنوات الأخيرة مشجعة ومغرية، فوفقا لتقرير الهيئة العامة للإحصاء فإن قطاع تجارة الجملة والتجزئة سجل نموا خلال السنوات الخمس الأخيرة بلغت نسبته 33 % أي بمتوسط نمو سنوي 6.6 %، وارتفعت القيمة المقدرة للقطاع بالأسعار الثابتة من 174.5 مليار ريال في عام 2010 إلى نحو 232.2 مليار ريال بنهاية عام 2015.

ونسبة النمو السنوي في القطاع أحد العناصر الرئيسة في دراسة الجدوى الاقتصادية للاستثمار، إلى جانب سلوك المستهلكين وأعمارهم، ومن المتعارف عليه عالميا أن المستهلك السعودي من أكثر المستهلكين إنفاقا على أساسيات الحياة وكمالياتها، وهذا الإنفاق مرشح للارتفاع في السنوات المقبلة إذا ما علمنا أن أكثر من 30 % من سكان السعودية في الفئة العمرية الشبابية (ما بين الـ20 والـ30 من العمر)، فيما تمثل فئات صغار السن الذين هم أقل من 20 سنة أكثر من 50 % من جملة السكان.

عطفا على ما سبق، فإن عنصر الجاذبية في السوق السعودية فيما يتعلق بعنصري الاستهلاك والإنفاق متوفر بشكل كبير، ومن المتوقع أن تكون هذه التراخيص الثلاثة نواة أولية لمزيد من التراخيص المستقبلية، وأن نجاح تلك الشركات في السوق السعودية سيكون عربونا لمزيد من التدفقات الاستثمارية في هذا القطاع، وستقود حتما إلى تغيير جذري فيه خلال السنوات المقبلة، وستتغير قواعد المنافسة كثيرا بما يفيد البلاد والعباد.

[email protected]