عبدالله الجنيد

حديث الكبار

الثلاثاء - 21 يونيو 2016

Tue - 21 Jun 2016

«المعلم قبل المنهج لكي ندرك مقاصد التعليم» هذا ما خلص إليه الأمير خالد الفيصل والصديق الأستاذ د. عبدالله المدني في بحر أسبوع. فالدكتور عبدالله المدني قالها استتباعا لإجابة على سؤال في ندوة لمعهد البحرين للتنمية السياسية تحت عنوان (الأمن والتحديات السياسية في الخليج العربي) بتاريخ 29 مايو 2016، والأمير خالد الفيصل قالها من على منبر برنامج بالمختصر mbc بتاريخ 3 يونيو 2016.

متلازمة القانون أو المنطق هي ما أوردنا هذا الحال، وسيادة القانون لا تتحقق في مجتمعات تفتقر لفهم التنمية المرتكزة على العدالة الاجتماعية. لذلك يجب ألا يستغرب القارئ حضور مسألة التعليم عند نقاش الأمن استراتيجيا. وهذا تماما ما توقعه ضيوف منتدى البحرين ومشاهدو برنامج بالمختصر لفرط إدمان مسمع العرب لقاموس سياسي اجتماعي مستهلك كرسه الإعلام في الوجدان العربي منذ الخمسينات. إلا أن التفاعل النسبي من الحضور مع الدكتور المدني حول أولوية المعلم كان محوريا في تحويل مسار الندوة ومدخلا لاستطرادات كثيرة حول التعليم. كذلك كان هو حال الحوار الموسع في فضاء التواصل الاجتماعي على تويتر حول رأي الأمير خالد الفيصل من على منبر برنامج بالمختصر، ناهيك عن تناول مشاريع تنمية موظفة للموارد البشرية والموارد الطبيعية المكانية، وقد استشهد في ذلك بأحد برامج التنمية الحضرية في إحدى المناطق النائية التابعة لإمارته.

ولإدراك مدى خطورة المعلم على منظومة أمننا القومي أو أمن مجتمعاتنا دعونا نقيس حجم الاختراق لمؤسساتنا التعليمية خليجيا بعد هبوب سموم الربيع العربي، وليتضح لنا حجم الخرق الذي يستدعي ما يتجاوز الرتق عندما نتناول أولوية المعلم قبل المنهج. فذاكرة سنواتنا الثلاث الأخيرة ستظهر حجم ذلك الاختراق لمجتمعاتنا عبر معاهدنا وجامعاتنا مستهدفة شبابنا. فهؤلاء الشباب كتل عاطفية انفعالية لم تتراكم تجاربها لتخلص إلى تحكيم الفؤاد لا القلب، لذلك هي سهلة التطويع والقولبة. فعلينا الآن إلغاء متلازمة القانون أو المنطق وإحلالها بمعادلة التنمية والتحفيز لأن عملية التنمية تبقى مبتورة إن هي خلت من آلية تحفيز الإبداع في كل المجالات العلمية والعملية أو النظرية. فالعالم يحتفي بإنجازات علمائنا في صياغة مستقبل دول الصف الأول، بل وتفتح لهم خزائنها ومعاملها وجامعاتها ويغيب ذلك في دولنا. وهنا يستحضرني مقال للأستاذ عبدالعزيز معتوق المنشور في عكاظ بتاريخ 3 من يونيو الجاري تحت عنوان «حسام حسم الدكتوراة» بتناوله قيمة الاعتراف بالإنجاز العلمي. فالدكتور حسام مواطن سعودي حقق سبقا عالميا في مجال محاربة البكتيريا المقاومة (الخارقة) فاحتفت جامعة كوينز لاند به بشكل غير مسبوق على لوحات إعلانات الشوارع السريعة «حسام يصنع التغير» في اعتراف منها بفضل جهد هذا الباحث في الإسهام في رفع اسمها ضمن الجامعات المتميزة. هؤلاء المنجزون من العلماء أو الصناع أو المبدعين هو ما يبحث عنه في كل اقتصاد (عنصر القيمة المُضافة Value Added Factor). ونحن نستطيع اختصار المسافات من خلال حلول قابلة للاستدامة اجتماعيا عبر التحلي بمزيد من الشجاعة في مواجهات التحديات لا الانكفاء عن مواجهتها. ولربما مقال الدكتورة آمال موسى تحت عنوان «عطب في السلم الاجتماعي» المنشور في الشرق الأوسط في الخامس من يونيو أحد أجمل ما قرأت في ماهية التعليم ودوره في التنمية الاستراتيجية.

لن تتسع رقعة ورقة واحدة لذكر كل الكبار من البشر لكن كم هو جميل أن يعيش باحث في زمن الكبار.

[email protected]