سيرة مختصرة لناقد شنطة!

مقابسات
مقابسات

الأحد - 19 يونيو 2016

Sun - 19 Jun 2016

u062du0633u064au0646 u0628u0627u0641u0642u064au0647
حسين بافقيه
والدعاوَى ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياءُ

وبعد،

فلقد قرأت في هذه الصحيفة الموقرة تعقيب الدكتور محيي الدين محسِّب (14 رمضان الجاري)، على مقالي «سعاد المانع الرائدة المجهولة للنقد الألسني»، المنشور في هذه الصحيفة، (6 رمضان الجاري). والحق أنني حاولت أن أفهم مقصود الكلام، فلم أَحْلَ بطائل، وذلك أن الدكتور محيي الدين محسب ذكر أنه هو الذي (نبَّهني) إلى كتاب الدكتورة سعاد المانع «سيفيات المتنبي»!! وهذا كلام غريب وفيه ادعاء يصل إلى مرتبة الكذب.

قال محيي الدين: إنه كان قد بعث إليَّ بكتابين جديدين عن أدبنا وثقافتنا، قبل خمسة عشر يوما، انطويا على ما شارك به في الصحافة والأندية الأدبية حين كان يعمل في بلادنا، وأن في أحد كتابيه مقالا عن كتاب سعاد المانع المومأ إليه، وأنه «نبهني» إلى هذا الكتاب.

وكان واجبا على محيي أن يكون أمينا، فيذكر، قبل ذلك، أنني أرسلت إليه طرفا مما نشرته من مقالاتي عن النقد الحداثي، وهذا دأبي مع جمهرة من أصدقائي، عقب نشر كل مقال، فبعث إليَّ بكلمات كلها إشادة بقيمة ما أكتب وثرائه، ثم سألني بريدي الشبكي، فعاد مرة أخرى يثني على مقالاتي في صحيفة مكة، ودفع إليَّ بكتاب له عن المشهد الأدبي في بلادنا، مما كتبه في أزمنة مختلفة، ورجاني أن أنظر في الكتاب، وسألني رأيي فيه، فهو حريص عليه، فظهرت على نتف منه، وبعثت إليه برأيي فيما كتب، ولما قرأت في آخر كتابه ملحقا بمقالاته التي نشرها في صحافتنا منذ نحو أربعة وثلاثين عاما، استجلب نظري أن له أربع مقالات عن «الأسلوبية»، و»البنيوية»، وصلة علم اللغة بالنقد الأدبي، مما يدخل في شرط ما أكتب، فسألته أن يبعث إليَّ بهذه المقالات، فبعث ببعضهن، وكان رجائي أن أرى فيهن شيئا من نشاط الرجل في النقد الحداثي، أول وفادته على بلادنا، فلما ظهرت على تلك المقالات رأيتها لا تعدو «التلخيص» الصحفي لقضايا في النقد الألسني، مما أشبعه نقاد كبار في مصر والعالم العربي، من أمثال نقاد مجلة «فصول»، وكمال أبوديب. وتلك «الملخصات» لا ترقى، ولا ينبغي لها أن ترقى، إلى ما ترجوه مقالاتي المنجمة في هذه الصحيفة من الوقوف على الآراء الصحيحة، التي كان عليها نقاد لهم خطرهم في حركة الثقافة في المملكة، آنئذ، من أمثال سعد مصلوح، وسعيد السريحي، ويوسف نور عوض، وشكري عياد، ونبيلة إبراهيم، وعبدالله الغذامي، وسعاد المانع، وما سأكتبه، لاحقا، عن لطفي عبدالبديع وعبدالوهاب الحكمي ونعيمان عثمان، وأعرضت عن «تلخيصات» محيي، فهي في خير أحوالها مما يخطفه شاب لم يقو عوده من ذلك الكلم النقدي الحديث الذي سقط إليه، أو تلقفته أذنه من الأساتيذ الكبار، فلما وجد صحافتنا حمى مستباحا، أنشأ يذيع فيها «ملخصاته»، فلما علت سنه، وأحيل إلى التقاعد، أدرك أن تلك «التلخيصات» إن هي إلا قرزمة شاب حسب أنه على شيء من العلم، فلم يثبتها في أيٍّ من كتابيه اللذين سألني رأيي فيهما.

ومعظم ما في كتابه «ملخصات» صحفية، ضمَّنها بعض نتاجه، في المدة التي اتصلت أسبابه فيها بصحيفة اليوم، بالدمام، ومن بينها «تلخيص» لكتاب «سيفيات المتنبي» لسعاد المانع، كان قد نشره سنة 1404هـ. كل ذلك صحيح، أما غير الصحيح فدعواه العريضة أنه «نبَّهني» إلى هذا الكتاب، وإلى «قيمته التاريخية والعلمية في سياق حركة النقد الحديث في المملكة»، وهذا افتراء، لأنه ليس في «تلخيصه» أي إشارة إلى قيمة الكتاب في حركة النقد الحديث في المملكة! ولا أدري كيف «نبهني» إليه؟ ألأنه قدم «تلخيصا» عنه في صحيفة اليوم عام 1404هـ، ثم لا شيء، فظن أنه ليس لأحد، مهما كان من المشتغلين بالنقد والثقافة، أن يعرف هذا الكتاب إلا من جهة «التلخيص» الذي أنشأه محيي! وليعرف محيي أن مقالي المنشور في هذه الصحيفة جاء في تدرُّج له منطقه، حيث بدأت بحركة النقد الألسني في جدة، فلما انتهيت من جدة شرعت أكتب عن النقد الألسني في الرياض، وبعد أن أخلص من الرياض، أشرع في الكتابة عن النقد الألسني بمكة المكرمة، وأنا في كل ذلك لم تكن غايتي التي أرمي إليها «تلخيص» كتاب – فهذه صناعة لا أجيدها - وإنما غاية ما أردتُه أن أنزل سعاد المانع منزلتها التي تستحقها في ثقافة هذه البلاد، وأنها الرائدة الأولى «المجهولة» للنقد الألسني في المملكة – وهذا ما لم يهتد إليه محيي في «ملخَّصه» الذي نشره في شبابه، ولم يَهْتدِ إليه في كهولته ولا في شيخوخته، مهما ادعى علما ومعرفة بثقافة هذه البلاد – وكانت سعاد قد قدمت رسالتها «سيفيات المتنبي» إلى جامعة القاهرة، سنة 1398هـ=1978م، ثم دفعت جامعة الملك سعود بالرسالة إلى المطبعة، فقرأها القراء في كتاب نشر عام 1401هـ=1981م، فأصبح الكتاب (مشاعا) للجميع، وليس شأنا (سرِّيا)، انتظر كل مثقفينا أن يفد محيي على بلادنا، فلما أنشأ «يلخِّص» مقاصده عرفناه! ألا إن محيي ماهر في إضحاك سن الحزين!

ويلوح لي أن محيي حين قرأ مقالي هاله – وهو الأستاذ الدكتور الذي سيصدر كتابين في ثقافة هذه البلاد! – أن يهتدي كاتب – صناعته النقد الأدبي والتاريخ الثقافي لهذه البلاد خاصة – إلى هذا الكشف، فإذا ما نظر محيي في أعطاف «تلخيصه» لكتاب سعاد المانع ظن ذلك «التلخيص» الصحفي كل شيء، وأنا لا ألومه، فهذه قدرته، وذلك مبلغ علمه، والرجل يحسن الظن في نفسه، كثيرا، ومؤسساتنا الثقافية التي ما عافت مشاركاته فيها، لعلها ألقت في روعه وهما بقيمة «ملخَّصاته»، فاستنسر محيي بأرضنا، ولو كان ما ينشئه «تلخيصا»، يتيه فيه بكلم كزٍّ ملتوٍ، يهوِّل فيه على الناس، يذكرنا بقول الإمام الجليل ابن قتيبة حين قال في أمثاله ممن يعبث بالعلم من أهل زمانه: «له ترجمة تروق بلا معنى، واسم يهول بلا جسم»!

ثم لي أن أسأل: أعجز كاتب هذه السطور - واختصاصه الكتابي الدقيق دراسة أدب هذه البلاد وثقافتها - أن يعرف موضوعه الذي استعد له وانقطع إليه، وشرع ينشر فيه مقالات منجَّمة في هذه الصحيفة منذ ما يزيد على ثلاثة الأشهر، وكانت غايته التي ندب نفسه إليها أن يؤرخ ويوثق لبواكير النقد الحداثي «الألسني» في المملكة، فمضى يكتب عن سعد مصلوح، وسعيد السريحي، ويوسف نور عوض، وعبدالله الغذامي، وشكري عياد، ونبيلة إبراهيم - أقول: أعجز كاتب هذه السطور عن أن يعرف كتاب سعاد المانع «سيفيات المتنبي»، أسوة بكتب أولئك النقاد، ومنها النادر المجهول، مما لا يعرفه محيي، ككتاب يوسف نور عوض وكتاب نبيلة إبراهيم، فينتظر أن يقرأ كتابين بعث بهما الدكتور محيي الدين، يسأله فيهما الرأي والمشورة، لثقته بصاحب هذه السطور، وهذا ما تقوله رسالته الإلكترونية؟ وهل عجز كاتب هذه السطور عن أن يعرف سهمة سعاد المانع، دون غيرها من النقاد، وقد أنشأ الدكتور محسب يسطر كلمات كلها إعجاب وإطراء بما نشرتُه في كل هذه المقالات المنجمة، وصفني فيهن بـ»الغواص»، ثم أتبعه كلاما قرَّظ فيه ما أنشأته في الدكتور شكري عياد، حتى إذا ما بلغتُ سعاد المانع، إذا به ينكص على عقبيه، ويدعي أنه «نبَّهني» على كتابها، فأين وصفه لي بـ»الغواص»، وقوله عني: «هكذا أنت يا حسين!! تغوص بدربة لافتة إلى الأجمل والأعمق»! وإني لأرجوه أن يقدم لهذه الصحيفة وقرائها أي دليل على دعوى «التنبيه»، إلا إذا ظن «تلخيصه» لكتاب «سيفيات المتنبي»، ذلك المنشور قبل ثلاث وثلاثين سنة تنبيها.

وليعلم الدكتور محيي الدين محسب أن كاتب هذه السطور يعتد نفسه ويعتده المثقفون من عارفيه شاهدا على مرحلة الحداثة في بلادنا، وأنه حين أنشأ يكتب هذه المقالات المنجمة التي ستبلغ حين تمامها سبع عشرة مقالة - لم تكن له غاية إلا أن يؤرخ لبواكير النقد الحداثي، أما «تلخيص» الكتب فقد تركه لمن يجيده، لأنني لا أحسن «تلخيص» الكتب، وربما توهم الدكتور محيي الدين محسب، فخلط بين «المقالة» تنشر في صحيفة يومية، و»الرسالة الجامعية» يُطلب إلى معدِّها سرد الدراسات السابقة، ولو كان منها «تلخيص» صحفيّ نشره صاحبه عام 1404هـ! وللقارئ الكريم أن يتخيل أنه كان واجبا عليَّ أن أقدم في صدر كل مقالة من هذه المقالات المنجَّمة توطئة بالدراسات و»الملخصات» السابقة، عن كل ناقد أنشأت أكتب عنه، حتى لا يظهر لي «محسِّبٌ» آخر، فتخدعه نفسه ويقول: لِمَ لمْ تذكرني في مقالك، فلقد كتبتُ عام 1404هـ «تلخيصا» عن هذا الكتاب أو ذاك!! ولكنني أقول للعميد الأسبق لكلية دار العلوم بجامعة المنيا: إنني يا سيادة العميد أكتب نقدا أدبيا، لا «تلخيصا»، وإن غايتي التي ندبت نفسي لها أن أستقصي البواكير والبدايات للنقد الألسني في المملكة، لا أن أحبِّر «فهرسا» بالمقالات و»الملخصات» التي كتبها الدارسون والصحفيون عن أولئك النقاد الذين انقطعتُ إلى دراستهم، وإبراز سهم كل واحد منهم في حركة النقد في بلادنا.

وأعجب، كذلك، أن الدكتور محيي الدين محسب، وقد أتيح له ما لم يتح لأساتذة عرب من ذوي الكفايات، فعمل في بلادنا في أزمنة أربعة مختلفة، كان فيها أولا في الدمام، ثم في جدة، ثم في الرياض مرتين - أعجب له أنه لم يذكر، لا في مقالاته الصحفية، ولا في محاضراته في المؤسسات الثقافية، ولا مشاركاته الكثيرة في المنتديات النقدية في الأندية الأدبية - لم يذكر أن الدكتورة سعاد المانع، هي الرائدة الأولى للنقد الألسني في المملكة، وقد زاملها أكثر من خمس سنوات، فلما توصَّل إلى ذلك كاتب هذه السطور، وقرأ محيي ما قرأ نَفِسَ عليَّ ما هداني الله إليه، مما أعرف ويعرف الأدباء والنقاد والدارسون – لا «الملخِّصون» - أنه سيعيد الأمور إلى نصابها، ويدفع الريادة عمن توهمها، وحبسها عليه دون غيره من الدارسين، وأنَّى لمحيي الدين محسب أن يهتدي إلى ذلك، وهذا الضرب من الكتابة ليس من صنعته، وإن كتب مقالات في الأدب والنقد، يعرف هو، قبل غيره، رأيي فيها!



وما طلب المعيشة بالتمني ولكنْ أَلْقِ دلوك في الدلاءِ

تجئْكَ بملئها يومًا، ويومًا تجئْكَ بحمأةٍ وقليل ماءِ



وأغرب ما في مقال محيي، وكله غريب، أنه يسنّ سنة لا نعرفها في الدرس الجامعي ولا في غيره، حين أرادني على أن أذكره في مقالي، لا لشيء ذي خطر، ولكن لأنه «لخَّص» في عام 1404هـ كتاب «سيفيات المتنبي». ولعمر الله ما الفائدة التي أجنيها، ويجنيها القارئ، لو أنا فعلتُ ذلك، ولِمَ أخصّ محيي دون غيره من الدارسين الذين عرضوا لأولئك النقاد، فهل قصر الله العلم والمعرفة على محيي الدين، دون غيره من الناس؟ وهل حسب محسِّب أن «ملخصاته» حوت كل شيء، وظن أن «كل الصيد في جوف الفرا»؟ وأنه عليَّ، وعلى الكتَّاب، أن ينظروا في «ملخصاته»، قبل أن يشرعوا في الكتابة عن هذا الأديب أو ذاك، فلعل محيي يفجأهم، بعد أن يكتبوا، فيطلق دعوى عريضة أن هذا الكاتب أو ذاك لم يذكر «تلخيصا» كان قد نشره؟ ألا إن محيي يحسن الظن بنفسه كثيرا، وما أحراه أن يهوِّن من غلوائه، واعلم يا محيي: أنه لا يكفي أن ترى التفاحة وهي تسقط من الشجرة، ولكن عليك أن تكتشف قانون الجاذبية!

ولو سرنا على هذا الرأي الخاطل العجيب لجاز لي أن أطالبه، حين كتب مقالة عن كتاب الدكتور عبدالمحسن القحطاني «بين منزلتين»، بذكر اسمي! لأن محيي يعلم، كل العلم، أن كاتب هذه السطور، كان قد ألقى ورقة مطولة عن كتاب «بين منزلتين» في المنتدى الذي يشرف عليه الدكتور القحطاني نفسه، فلِمَ يا محيي لم تذكر اسمي، وقد سبق مقالي مقالك بسنتين اثنتين؟! علم الله أن هذا القول لا يفوه به طالب جامعة مبتدئ، دع عنك أن يكون أستاذا، بل عميدا أسبق لكلية دار العلوم، ومحاضرا تضيفه مؤسساتنا الثقافية!

ولقد حاولت أن أفسر ما فعله محيي، فلم أجد فيه إلا صورة من صور «الابتزاز الثقافي»، والغيرة والحسد، وكان قمينًا به، وقد أبدى لي فرحه بمقالاتي هذه التي أنشأتها عن «النقد الحداثي»، أن يفرح برأي هداني الله إليه، لا أن تحمله نفسه الضيقة على أن يَنْفَس عليَّ ذلك، وكان بوسع محيي، لو أن لديه قدرة على الفهم، أن يذكر ذلك في غير منتدى من منتدياتنا التي لا يني يشارك فيها، حتى يوم الناس هذا، كان بوسعه أن يذكر ذلك يوم كتب عام 1405هـ عن محاضرة الغذامي في الطائف، وكان بوسعه أن يفعل يوم كتب في العام نفسه عن كتاب «الخطيئة والتكفير»، ويوم كتب عن «حكاية الحداثة»، ويوم كتب عن شؤون كثيرة في أدب هذه البلاد، ولكنه، مهما كتب، وعلى كثرة ما كتب، لم يشر من قريب ولا من بعيد، إلى أن الدكتورة سعاد المانع هي الرائدة الأولى للنقد الحداثي «الألسني» في المملكة، كما فعل صاحب هذه السطور، وذلك لأمر يسير: أن محيي – مهما كتب – لا علم له عميقًا، بأنحاء الثقافة والفكر في بلادنا، وما أنشأه لا رُوَاء له ولا شاهد، وكل ما يكتب، إن تجردنا من المصانعة، وما أكثر ما صانعناك يا محيي، إن هو إلا كحَسْو الطير، إلا إذا عددنا «تلخيص» الكتب، نقدا أدبيا وفلسفة هو يدَّعيهما!

وللمقال بقية



[email protected]

الأكثر قراءة