محمد أحمد بابا

الشوكولاته ساحت

الثلاثاء - 14 يونيو 2016

Tue - 14 Jun 2016

تشير مؤشرات الحرارة في السيارات بمنطقة الخليج لما يقارب الخمسين وتتعدّاها في بعض الأحيان لرقم يصعب على السائق استيعابه مع وجود لوحات تؤكّد أن درجة الحرارة أخفض من ذلك، ويسلّي السائقون أنفسهم بأن غليان الزيت والوقود داخل السيارة أثر على مؤشر صنع في أمريكا أو اليابان بمواصفات خليجيّة.

ولأنّ السياحة حصرية في الإجازة الصيفيّة فإنّ الكثير يؤمن بالعلاقة بين حرارة الجو ورغبته في الانتقال لمصايف تكون إحسانَ صُنع لأجساد اعتادت التكييف فلم تعد قادرة على الصّبر ومسح العرَق، فتسيحُ الأفكار والقرارات والأحلام والاعتقادات، وتسيح الجيوب والعواطف ويصبح المناخ بفعل الرطوبة في الهواء واللزوجة في مشكلات الحياة «مُتَعلِّكا ومُلبَّكا ومدَبَّكا» مليئا بسوائل الضّجر وذائبات التسخّط.

ورغم قصر الليل وطول النهار لكن الأفراح تدعو لاستعجال الشباب نحو الدّيْن فيقترض العرسان المساكين حتى يسيحوا، ليهجروا العزوبية في هذا الصيف القاتل الكفيل بجعل طبقات الحلويات في الفرح «فوقاني تحتاني» من أثر حرارة لا ترحم عريسا ولا تستثني مأدبة إلا باحتياطات لازمة.

في الصيف يختلف عند النساء اختيار نوعيّة «الماكياج» والوقت المناسب لعمله مع مراعاة التأكد من مكيّف السيارة والصالة التي فيها ذاك الفرح، فلا تودّ امرأة أن تبذل نصف راتبها أو كلّ راتب زوجها في «ميك أب» تُذيبه حرارة الجو وعرق الطريق وتبدو وكأنها ساحرة تنقصها عصا مشعّة.

ولا أعتقد بأن عاشقا سيتجرأ أن يقول لحبيبته: أحبّك بحرارة أو أنا أتقلب على جمر هواك أو أشتكي من نار بعدك فحرارة الجو تغير استراتيجية المغرمين.

صيفا البُعد أجدى في السلامة من نرفزة بسبب حرارة الطقس وحرارة في المشاعر لا ينتج عنها سوى مشكلة عويصة تنتظر شتاء قادما لتحلّ فيه، وليس هناك وقت لكثير نحو الأحاسيس الملتهبة، لأن العرب تعودوا على الحب الليلي، والليل قصير، والنهار مملّ وطويل يلعنه الرجال بالنوم وتقضيه النساء في «حيص بيص».

واستهلاك مساحيق الغسيل في صيفنا تفوق استهلاك التبغ عند المراهقين، وملابسنا البيضاء تتعرّض لهجوم الأوساخ نتيجة إفرازات أجسادنا وأجوائنا ومصانعنا بشكل ثلاثي لا تنفع معه قوّة ثلاثيّة يدّعيها التجار، وعن الماء حدّث ولا حرج فهو في الصيف ملاذ المُحترّين ومسكن الغاطسين وحلم الموظفين، ليضاف حمْل إلى أحمال المياه المهدرة والكلّ يعتذر بالصّيف.

فصل الصيف «حمّال أَسيّة» فهو مصدر الشكوى والاعتذار والتسبّب في كلّ مشكلة تحدث من الناس أو المجتمع أو الحكومة أو الطبيعة، فشركة الكهرباء تقطع التيار في الصيف لكثرة الأحمال مع أن فترة الشتاء كافية لصيانة المولدات، لكنّ المسؤولية مفقودة، ساحَت بفعل الصيف مثلها مثل الشوكلاته.

شركات الطيران تعتذر بأن أجواء الصيف سبب لسقوط طيارة مشتراة من «حراج الخردة» في البرازيل، وموظفو البريد يعتذرون عن وصول الرسائل الخاصة في أظرف مفتوحة لأنّ الصيف أذاب غراء الأغلفة فساحت المعلومات مثل الشوكلاته التي «راحت مطرَح ما راحت».

التأخير في المعاملات والمستحقات سببُه الصيف المغلوب على أمره الذي جعل من الذهاب للعمل مبكّرا أمرا في غاية «السّوحان» وإنجاز الأعمال في غاية «الذّوبان» فالصيف يعمل «عمايله» في كلّ شيء دون أن يبقي أثرا سوى سوائل الشوكلاته التي ساحت وناحت حتّى «داخت».

لن نعترض على طبيعة الصّيف، فهو لم يأخذ إجازة في سنة من السنوات حتى صرنا والصيف أصدقاء وندماء، ولن نكون خياليّين إذا طلبنا من الصيف أن يزيد من حرارته حتى تذوب ثلوج «اللامبالاة» وتذوب «شوكلاته» الإهمال وتذوب سيطرة «الفوضويّة»، ونعدِه بأن نراقب المكان الذي «راحت» له «السوائل» الذائبة فينحسِر الفساد في الصيف والشتاء.