ليست نهاية العالم
الاثنين - 13 يونيو 2016
Mon - 13 Jun 2016
في ظرف 72 ساعة هز انفجار العاصمة اللبنانية بيروت، ولقيت مغنية مصرعها وهي تحيي جمهورها بعد حفلة، واندلع شغب امتد لساعات في أعقاب مباراة كرة قدم، وقرر سفاح أن "لا أريكم إلا ما أرى" فاختطف حياة خمسين شخصا في أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية.. اختلف معهم في معنى الحياة فانتقم بالموت لخسارته الفكرية والقيمية. وقبل أن تختفي رائحة الدم والبارود تسابق أمثاله من المفلسين روحا وعقلا على التحريض على أقلية لا شأن لها بالمجرم، أو التشفي من أقلية أخرى لا جرم لها إلا الاختلاف.
وثمة أجزاء أخرى من العالم ارتبطت بالموت في نشرة الأخبار، حتى لم يعد أحد يكترث بالنشر أو التعليق.
أي عالم شقي ومرعب نعيش فيه؟
لك أن تسخر إذا عرفت أنه العالم الذي يعيش هذه اللحظة أفضل أيامه منذ تشكلت الأرض ودبت الخليقة. عالم لا تقفز فيه حقائق انحسار الفقر والقضاء على الأمراض وانخفاض معدلات الجريمة إلى واجهة نشرات الأخبار، ولا يتحول فيه المنجز البشري في صنع حياة أكثر أمنا وتقدما إلى طمأنينة تسكن القلوب. إنه عالم مخيف وآمن!
في رسالته السنوية يشدد بيل جيتس، الذي تعمل مؤسسته الخيرية على حل مشاكل الفقر والأمراض، على أن العالم باستخدام كل معايير القياس والمقارنة يعد اليوم مكانا أفضل للعيش من أي جيل سبقنا منذ الإنسان الأول. فعلى سبيل المثال من المتوقع بحلول عام 2035 أن تقفز معظم دول العالم فوق خط الفقر، وتتحول من دول مستقبلة للعون المادي إلى اقتصادات مكتفية بذاتها وقادرة على تأمين سبل العيش الكريم لسكانها. وإذا كنت تشكك بهذا التنبؤ المتفائل جدا فلك أن تعلم أن مليار شخص تجاوزوا مرحلة الفقر المدقع خلال الفترة ما بين عام 1990 و2015 بفضل جهود التنمية في أشد بقاع العالم بؤسا. كما أن معدلات وفيات الأطفال والتي تعد مؤشرا على فقر وجهل أي مجتمع تقلصت خلال الفترة ذاتها بمعدل النصف بسبب حلول بسيطة مكنها التقدم في قطاع التغذية والصحة العامة والتعليم.
وفي السياق ذاته فقد تقلص عدد ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة من نصف مليون شخص سنويا في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أقل من 50 ألف قتيل بنهاية العقد الفائت. وخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2015 زاد متوسط العمر المتوقع عند الولادة عالميا بمعدل خمس سنوات. إنها ليست حياة أطول عمرا وأكثر أمنا.. بل هي حياة أكثر جودة. فمعدلات الأمية تراجعت من 25% في عام 1990 إلى 14% بنهاية السنة الماضية. حتى أعداد المسافرين باستخدام الطائرات والذي يعد مؤشرا على حالة الرفاه التي يعيشها الفرد قفزت من مليار شخص فقط في عام 1990 إلى ثلاثة مليارات ونصف بنهاية 2015. والمؤشرات التي لا يمكن قياسها إحصائيا مثل تمكين المرأة وحقوق الإنسان والحريات الدينية والاجتماعية والسياسية تسلك ذات المسار.
أينما اتجهت فالعالم كما نعرفه الآن يدعو إلى التفاؤل والاحتفاء بأعلى نقطة وصلتها البشرية في حضارتها إلا حين تستقبل نشرة الأخبار أو تتصفح قائمة "الترند" في تويتر، ومع ذلك فإن 71% من الناس يؤمنون بأن العالم أسوأ الآن مما كان عليه وسيصبح أكثر سوءا في المستقبل. إنه التصور الذي ينافي كل حقيقة، ولكنه في الوقت ذاته تصور خطير يتحول إلى حقيقة نتائجها التفكير السلبي والانسحاب من مهمتنا في مواصلة هذا التقدم المذهل بحجة اليأس والخوف. أحد أسباب هذه المفارقة ظاهرة نفسية تعرف بأثر الذكريات، حيث نعمد إلى تذكر الجزء الإيجابي فقط من الماضي وننسى القلق الذي عشناه ونحن نصنع تلك الذكريات ثم نقارنها بإحساسنا الحالي بالحيرة وعدم الثقة فنتصور أن أجمل أيامنا لن تتكرر. وأما السبب الأهم فيكمن في نوعية المحتوى الذي نسمح له أن يشغل أذهاننا ونحن نقلب مواقع الأخبار.. ففي جيب كل واحد منا جهاز يسهل عليك أن تعيش شقيا متذمرا تحسب كل صيحة عليك.
المنجز الحضاري البشري يسلك مسارا تصاعديا رغم القلق الراهن الذي لا بد منه. وهو منجز لم ينزل من الفضاء ولم ينبت من الأرض، بل جاء نتيجة جهد كل فرد يبادر بإتقان مهمته في عمله وبيته ومجتمعه، بدلا من أن يقضي العمر في انتظار لحظة ينجلي فيها كل هذا الضجيج.
وثمة أجزاء أخرى من العالم ارتبطت بالموت في نشرة الأخبار، حتى لم يعد أحد يكترث بالنشر أو التعليق.
أي عالم شقي ومرعب نعيش فيه؟
لك أن تسخر إذا عرفت أنه العالم الذي يعيش هذه اللحظة أفضل أيامه منذ تشكلت الأرض ودبت الخليقة. عالم لا تقفز فيه حقائق انحسار الفقر والقضاء على الأمراض وانخفاض معدلات الجريمة إلى واجهة نشرات الأخبار، ولا يتحول فيه المنجز البشري في صنع حياة أكثر أمنا وتقدما إلى طمأنينة تسكن القلوب. إنه عالم مخيف وآمن!
في رسالته السنوية يشدد بيل جيتس، الذي تعمل مؤسسته الخيرية على حل مشاكل الفقر والأمراض، على أن العالم باستخدام كل معايير القياس والمقارنة يعد اليوم مكانا أفضل للعيش من أي جيل سبقنا منذ الإنسان الأول. فعلى سبيل المثال من المتوقع بحلول عام 2035 أن تقفز معظم دول العالم فوق خط الفقر، وتتحول من دول مستقبلة للعون المادي إلى اقتصادات مكتفية بذاتها وقادرة على تأمين سبل العيش الكريم لسكانها. وإذا كنت تشكك بهذا التنبؤ المتفائل جدا فلك أن تعلم أن مليار شخص تجاوزوا مرحلة الفقر المدقع خلال الفترة ما بين عام 1990 و2015 بفضل جهود التنمية في أشد بقاع العالم بؤسا. كما أن معدلات وفيات الأطفال والتي تعد مؤشرا على فقر وجهل أي مجتمع تقلصت خلال الفترة ذاتها بمعدل النصف بسبب حلول بسيطة مكنها التقدم في قطاع التغذية والصحة العامة والتعليم.
وفي السياق ذاته فقد تقلص عدد ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة من نصف مليون شخص سنويا في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أقل من 50 ألف قتيل بنهاية العقد الفائت. وخلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2015 زاد متوسط العمر المتوقع عند الولادة عالميا بمعدل خمس سنوات. إنها ليست حياة أطول عمرا وأكثر أمنا.. بل هي حياة أكثر جودة. فمعدلات الأمية تراجعت من 25% في عام 1990 إلى 14% بنهاية السنة الماضية. حتى أعداد المسافرين باستخدام الطائرات والذي يعد مؤشرا على حالة الرفاه التي يعيشها الفرد قفزت من مليار شخص فقط في عام 1990 إلى ثلاثة مليارات ونصف بنهاية 2015. والمؤشرات التي لا يمكن قياسها إحصائيا مثل تمكين المرأة وحقوق الإنسان والحريات الدينية والاجتماعية والسياسية تسلك ذات المسار.
أينما اتجهت فالعالم كما نعرفه الآن يدعو إلى التفاؤل والاحتفاء بأعلى نقطة وصلتها البشرية في حضارتها إلا حين تستقبل نشرة الأخبار أو تتصفح قائمة "الترند" في تويتر، ومع ذلك فإن 71% من الناس يؤمنون بأن العالم أسوأ الآن مما كان عليه وسيصبح أكثر سوءا في المستقبل. إنه التصور الذي ينافي كل حقيقة، ولكنه في الوقت ذاته تصور خطير يتحول إلى حقيقة نتائجها التفكير السلبي والانسحاب من مهمتنا في مواصلة هذا التقدم المذهل بحجة اليأس والخوف. أحد أسباب هذه المفارقة ظاهرة نفسية تعرف بأثر الذكريات، حيث نعمد إلى تذكر الجزء الإيجابي فقط من الماضي وننسى القلق الذي عشناه ونحن نصنع تلك الذكريات ثم نقارنها بإحساسنا الحالي بالحيرة وعدم الثقة فنتصور أن أجمل أيامنا لن تتكرر. وأما السبب الأهم فيكمن في نوعية المحتوى الذي نسمح له أن يشغل أذهاننا ونحن نقلب مواقع الأخبار.. ففي جيب كل واحد منا جهاز يسهل عليك أن تعيش شقيا متذمرا تحسب كل صيحة عليك.
المنجز الحضاري البشري يسلك مسارا تصاعديا رغم القلق الراهن الذي لا بد منه. وهو منجز لم ينزل من الفضاء ولم ينبت من الأرض، بل جاء نتيجة جهد كل فرد يبادر بإتقان مهمته في عمله وبيته ومجتمعه، بدلا من أن يقضي العمر في انتظار لحظة ينجلي فيها كل هذا الضجيج.