هبة قاضي

حارة الجينات

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 12 يونيو 2016

Sun - 12 Jun 2016

فوجئت بأحدهم يخاطبني في برنامج التواصل الاجتماعي تويتر ويحاول استثارة حميتي الحجازية (هل يرضيكي عرض مسلسل حارة الشيخ) مشيرا إلى أنهم سيسيئون لسيرة المجتمع الحجازي وعاداته.

ثم حين فتحت الهاشتاق وجدت البعض يكتبون بأن المسلسل يتبلى على الحجاز بادعاء انتماء بقايا الحجاج له من ذوي الأصول المختلفة التي استوطنت الحجاز من أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام. وفي مقابلهم حضر الحجاز الذين أخذوا يدافعون عن أصالتهم وأصالة وجودهم الممتد من مئات السنين والتي أسست وعمرت المكان أساسا.

شاهدت قبل عدة أيام أحد أروع الفيديوهات التي شاهدتها في حياتي والذي حقق عدد مشاهدات مهولا وتمت ترجمته للكثير من اللغات.

يعرض الفيديو لجنة تقوم بالتحقيق مع مجموعة من الأشخاص المختلفي الأعراق وتسألهم عن أصولهم وولائهم. فالبريطاني اعترف بكل فخر بأنه يؤمن أنهم أعظم شعب في العالم وعبر عن بغضه للألمانيين.

والكردية عبرت عن موقفها السلبي من الأتراك والعرب. والبنجلاديشي أكد صفاء عرقه البنجلاديشي وكرهه للباكستانيين والهنود. ثم قامت اللجنة بالطلب منهم أن يبصقوا في قوارير مخبرية وأخبرتهم أنه سيتم عمل الفحص الجيني DNA لاكتشاف انتماءات جيناتهم الوراثية.

وكانت الصاعقة للمجموعة حين اكتشف البريطاني أنه ألماني بنسبة خمسة بالمئة وأن أصوله لا تنتمي للقارة الأوروبية أصلا.

وليكتشف البنجلاديشي أن له أقرباء في باكستان من ناحية أمه وفي الهند من ناحية أبيه.

ولتكتشف الكردية أن أصلها من القوقاز التي هي تركيا حاليا وأن لها في الحضور قريبا من أحد الحقب التاريخية وهو العراقي الذي عبرت قبل عن كرهها لهم.

للأسف الشديد لم تمنع المدنية والحضارة والمواطنة والحداثة بعضنا من أن يظل يلوك في غمار الأصول والأصالة التي ما فتئت تجرنا للماضي السحيق وتجعلنا متأخرين عن ركب القرن الذي نعيش فيه، موغرة الصدور ومثيرة الكره والحقد.

في حين أن لو كل منا نظر إلى نفسه في المرآة مدركا واقع أنه عبارة عن جينات مسافرة على مر قرون وأن ما يدركه عن نفسه ونسله لا يتجاوز شجرة عائلة عمرها مئة أو مئتا سنة، لأرخى ناصيته خجلا من تعاليه على عرق قد يكون جزءا سحيقا من تكوينه، ولأدرك أننا ما خلقنا لنجتر الماضي ونلوك الاختلافات، بل لنندمج ونتعارف ونتعايش بكل عدالة واحترام.