صالح عبدالله كامل

إطعام الطعام.. طلب للأجر أم شهرة وتفاخر؟!

السوق
السوق

الاحد - 12 يونيو 2016

Sun - 12 Jun 2016

دخلت حفيدتي الصغيرة لتهنئتي بشهر رمضان المبارك، وقالت مستفسرة: ما هذه الكراتين كلها يا جدي؟ فقلت لها: «تمرة»، قالت مندهشة، والدهشة تبدو دائما أكثر وضوحا عند الصغار: ومين راح يأكل كل هذه التمور؟! أنا أشوف كل واحد بالكثير يأخذ ثلاث حبات.. والباقي يا جدي؟! فلم أجد مفرا من الاعتراف لها أنها كلها جاءت هدايا من أصدقائي الأعزاء، مشاركة منهم لي بفرحة رمضان.. وأنا كمان علي أن أهدي لهم أشياء في المقابل، عملا بمبدأ «تهادوا تحابوا»، فقالت ببراءة الأطفال: يعني هداياكم هذه لو راحت للفقراء ما كان أحسن، واستأذنتني في أن تهدي شيئا منها لزميلة وجارة قائلة: صدقني حيفرحوا بيها أكثر منكم، خصوصا أنها من الأنواع الفاخرة جدا.. وكمان راح يحبوني أكثر.. فوافقت ودون تردد وتركتها تختار ما تريد ورحت وأنا أتأملها وهي تنتقي، أحمد الله أن جعلها تفكر بهذه الطريقة الإيجابية، ودون أن أنكر أنني تعلمت من هذه الحفيدة شيئا جديدا. والحقيقة أن رمضان مزرعة يانعة لكل أعمال الخير والمحبة والتي تصل بين الناس وتزيدهم تراحما وتلاحما.

وللأجر الذي يحصل لكل من يسهم في إفطار صائم كما قال عليه صلوات ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين: «من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا».

وكان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويرونه من أفضل العبادات. وقال بعضهم: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاما يشتهونه أحب إلى من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.

وربما نحن لم نتعود حين ندعو أصحابنا إلى عشاء أو يدعوننا إليه أو غداء، نتساءل ونلح في السؤال عن ماذا يحبون أن يقدم على المائدة من طعام يحبونه ويشتهونه. وعبادة إطعام الطعام تنشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى المطعمين فيكون ذلك سببا في دخول الجنة. وكما قال عليه الصلاة والسلام: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا».

وكم نحمد الله على ما يحدث في بلاد الحرمين الشريفين ومعظم مساجد العالم الإسلامي منذ دهور من إفطار للصائمين على تمرات يتساوى في تناولها الغني والفقير والأمير والغفير.

وتطور الأمر حتى بلغ ذروته في المودة والمحبة، حين انتشر في الشوارع وعند إشارات المرور خاصة قرب مدفع الإفطار باقات من أبناء العوائل والأسر الكريمة يحملون التمر والماء البارد لقوافل الصائمين والذين أدركهم موعد «فك الريق» خاصة وسط مشاريع الطرق والكباري التي تعم كثيرا من مدننا، وتعوق بشكل مؤقت وصول الناس إلى منازلهم. وأدعو الله أن يجزي هؤلاء الأبناء وأهلهم خير الجزاء، على إسهامهم في تفطير الصائمين، وتحمل مشقة الأمر خاصة في هذا الجو الحار، وكان بإمكانهم أن يقبعوا في منازلهم المكيفة يشاركون ذويهم فرحة الإفطار معا.. فشكرا لهم على هذا وأيضا على قيمة عظيمة أخرى يغرسونها في أبنائهم وأولادهم وهي العمل التطوعي، وهو هنا مقرون بالأجر والبركة.. فكثير من الأعمال التطوعية في كل المجالات تسهم مباشرة في تلاحم الأسر وترابط المجتمعات.. ولكن للأسف الشديد، هناك من يخلط بين طلب الأجر والثواب وبين طلب الشهرة والتفاخر الشخصي في هذا الشهر الكريم، بما عرِف في بعض الأمصار بـ»موائد الرحمن»، وليتها بقيت موائد للرحمن، دون إضافة اسم صاحب المائدة وربما ترافق الاسم صورة فخمة لشخصه الكريم.. وكأنه اعتراف منه أنه يريد ثواب الدنيا.. ربنا آتنا في الدنيا.. وما له في الآخرة من خلاق.

وبالطبع من الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا النار ولو بشق تمرة». فما بالنا حيث يخصص أصحاب موائد الدنيا ما ينفقونه رئاء الناس.. ويرسلونه في خفاء إلى ما بدأ يظهر بشكل إيجابي فيما بدا يعرَف ببنوك الطعام، أو الجمعيات المتخصصة في الإطعام، بشكل مغلف بالكرامة والحنان، دون ادعاء ودون ازدراء.. ففي عمل جمعيات الخير والبر ثوابٌ بإذن الله للعاملين فيها والمستفيدين منها. ولكن بعد اللغط واللبس الذي أخذ يحيط ببعض هذه الجمعيات، أصبح من الواجب حماية الجمعيات الخيرية والاجتماعية، مع إعمال الرقابة عليها والتأكد من أهدافها في الخير والبر، وتسهيل إجراءات تسجيلها، لتقوم بأدوارها الصحيحة، التي إن توازنت واكتملت بشكل ممنهج مدروس كانت ساعدا ومساعدا للدولة في كثير من المجالات.. وأذكر بمزيد من الفخر أنني تشرفت بالعمل في جمعية البر بالرياض وكان رئيسها وقلبها النابض أمير الرياض حينها – خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأطال في عمره – ولا شك أن مجتمع العاصمة الحبيبة يذكر بكثير من الحب والتقدير ذلك الدور الذي أسهمت به تلك الجمعية من خير وعون ودعم عاضدت الجهد الحكومي في كل عمل من أجل خير الإنسان في هذه الأرض الطيبة المباركة، وهي إحدى الضمانات الاجتماعية المهمة بعيدا في بعض الأحيان عن روتين الضمان الاجتماعي الحكومي والذي قد يفرضه ممارسة حجم الحاجة إليه. ويزيد من أعبائه إدمان المواطن عليه، حتى وإن كان الله قد أغناه من واسع فضله.. وقد حكى لي بعض الثقات: أن مواطنا من معتادي الضمان وجدوا لديه صكوك أراض تساوي مئات الملايين، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولكن العجيب، والعهدة على الراوي، أنه وحين اتضح الأمر لمسؤولي الضمان الاجتماعي وبحكم واجبهم أوقفوا ما كان يصرف له من الضمان، ولكنه احتج وغضب وقال: هذا حقي!! ولا أدري عن أي حق يراه مستحقا لمن لا يستحق؟!

ومما يبشر بالخير إن شاء الله ما نتابعه هذه الأيام حول برنامج التحول الوطني 2020 والذي أفردت له صحيفة مكة المكرمة صفحات متعمقة في الرؤية الشاملة 2030، والتي بدأت تعتمد منهج الحوكمة تعزيزا لرفع كفاءة التخطيط على مستوى الجهات الحكومية ورفع وتيرة التنسيق فيما بين الجهات المعنية لتحقيق الأهداف الوطنية المشتركة، ضمانا لسرعة الإنجاز في المشروعات والمبادرات.. كما جاءت الشفافية واجهة مبشرة مضيئة بتفعيل لوحة قياس أداء موحدة تشمل جميع الأهداف والمؤشرات والمستهدفات لكل جهة. وقد بدا الأمر واضحا جليا من خلال المؤتمرات التي اجتمع ويتعاقب على عقدها الوزراء ووزراء الدولة في مواجهة مباشرة مع الناس والإعلام من أجل توضيح كثير من المفردات التي سيتعامل معها السعوديون خلال السنوات القادمة بحول الله.. والتي تهدف بإذن الله إلى «جودة الحياة» وهي مفردة من هذه المفردات المبشرات والتي تهدف إلى تحقيق تنمية حضارية مستدامة ومتوازنة، وتحسين مستوى جودة الحياة في مدن ومناطق المملكة العربية السعودية الغالية. كما تبرز مفردة أخرى.. «جودة الصحة» بهدف تحسين جودة الخدمات الصحية، بشقيها الوقائي والعلاجي، وتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات. كما وردت مفردة رائعة أخرى «الأمن العقاري» من أجل إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء وتعزيز ثقتهم باقتصادنا وتمكين المواطنين من الحصول على مسكن ملائم.

أما مفردة «الكفاءات الوطنية» فقد حملت الكثير من الأمل حين ارتكزت على فكرة تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة الموائمة لسوق العمل المستقبلية وتنمية مهارات الشباب، وحسن الاستفادة منها وتمكين المرأة واستثمار طاقاتها – وهي بالطبع نصف المجتمع، أما الصناعة الإعلامية فقد احتلت جزءا من هذه الرؤية العميقة. وحقيقة فرؤية بهذا الحجم وتحول بهذا العمق في حاجة لمواكبة إعلامية وطنية، تبدأ بتنمية الصناعة الإعلامية، والصناعات المواكبة لها، وتمكينها من المنافسة محليا وعالميا، بما يتطلب من دعم وإثراء للأنشطة الثقافية والترفيهية وما يستدعيه ذلك من دعم للشركات الوطنية.

كل هذا وأكثر قد يحتاج إلى مقالات ووقفات للإسهام في إلقاء الأضواء المناسبة بشكل كاف على هذا التحول إلى الغد المشرق الباسم بإذن الله.. في ظل حرص خادم الحرمين الشريفين الملك القائد والوالد الرائد سلمان بن عبدالعزيز أمده الله بالصحة والتوفيق، وكتب النجاح والفلاح لولي عهده الأمين وولي ولي العهد الطموح الذي يسعى رعاه الله بكل ما أوتي من عشق لهذا الوطن ليكون أجمل الأوطان وليكون مواطنوه الأسعد دائما بحول الله وقوته.