محمد العقلا

ورحل رجل الخير والإحسان والعطاء

الاحد - 12 يونيو 2016

Sun - 12 Jun 2016

فقدت المدينة المنورة الأسبوع الماضي الشيخ الدكتور عبدالمحسن المحيسن أحد وجهائها وأعيانها والأستاذ بالجامعة الإسلامية سابقا، بعد معاناة مع المرض وآلامه تحملها بصبر وثبات واحتساب وأخفى ذلك عن أقرب الناس إليه كيلا يكدر عليهم ويتأثروا، فلله دره من أب رحيم.

وقد نزل الخبر على أهله ومحبيه نزول الصاعقة لما للفقيد الراحل من محبة ومكانة وتقدير في قلوب جميع من عرفه وتعامل معه أو سمع عنه وهو كالغيث ‏أينما حل نفع الله به، وقد شرفت بمعرفته قبل نحو عشرة أعوام وقبلها ‏سمعت عنه وعن شقيقه الأكبر الشيخ صالح نائب رئيس الجامعة الإسلامية سابقا رحمه الله وعن أسرتهم وأعمالهم الخيرية الشيء الكثير.

‏وخلال فترة عمله بالجامعة الإسلامية التي امتدت لأكثر من أربعين عاما أسهم إسهاما كبيرا في زيادة عدد المقبولين من شتى دول العالم وقام بتذليل الصعوبات التي تعترض طريقهم وتنقل بين كثير من الدول في سبيل تحقيق هذا الهدف حيث كان عميداً للقبول والتسجيل ثم عميدا لشؤون الطلاب بالجامعة، ومن الأمثلة على ذلك ‏كان أول من وصل من الجامعات السعودية إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي بعد تفككه إلى دويلات، وباشر فور وصوله بإجراء المقابلات الشخصية معهم، وقد أخبرني أحد خريجي الجامعة الإسلامية من أوزبكستان عند زيارتي لها عام 1432هـ قائلا ‏في هذا المكان (وهو الجامع الكبير) أجرى الدكتور عبد المحسن المقابلة معي ومع غيري من الطلاب وتم ترشيحنا بعد المقابلة، وإنه وزملاءه كانوا من أوائل الملتحقين بالجامعة ‏من بلاده وذلك عام 1412هـ.

وعندما باشرت العمل في الجامعة الإسلامية مديرا لها ألححت عليه بتولي إدارة المشاريع بالجامعة ‏فوافق رغم كثرة أعبائه والتزاماته وأحدث نقلة نوعية بمشاريع الجامعة ‏من حيث الجودة والإتقان وسرعة الإنجاز ‏ولم تشهد الجامعة في تلك الفترة تعثر أي مشروع بها، ‏ ‏وها هي المباني والمنشآت الضخمة بالجامعة الآن شاهد صدق على ما قام به من جهود مشكورة، وقبل هذا وذاك فقد كان موضع ثقة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله ‏حيث اختاره ليكون أمينا عاما على أوقافه بالمدينة، وقام بأداء هذه المهمة على أكمل وجه. ‏وكنت أثناء عملي بالجامعة وبعد انتهائه كثيرا ما أتصل به لأعرض عليه أوضاع طلاب وأسر فقيرة ومحتاجة فيبادر بتقديم المساعدة ‏لهم فضلا عما قام به هو وإخوته الكرام من تخصيص مساعدات عينية ونقدية لهذا الغرض.

وبعد فهذا غيض من فيض كرمه وإحسانه وعطائه رحمه الله، وتحتاج الكتابة عنه وقتا أطول ومساحة أكبر، وقد أكرمه الله بحسن الختام، فبعد دخوله في غيبوبة بعدة أيام تم نقله بالإخلاء الطبي من أمريكا إلى المدينة، وبعد وصوله بعدة ساعات انتقل إلى رحمة الله قبيل المغرب وصلي عليه بالمسجد النبوي بعد العشاء ودفن بالبقيع، وكما قال ابن رجب رحمه الله عن الخاتمة الحسنة (لا تقع إلا ‏لمن كانت سريرته حسنة، لأن لحظة الموت لا يمكن تصنعها فلا يخرج حينئذٍ إلا مكنون القلب).

أبْاَ عبد الله إِنَّكَ كُنتَ غَيثاً

وَيُسراً حينَ يُلتَمَسُ اليَسارُ

سَقَاكَ الْغَيْثُ إِنَّكَ كُنْتَ غَيْثاً

ثَوَى فِيهِ المَكَارِمُ وَالْفَخَارُ

وَإِنَّكَ كُنْتَ تَحْلُمُ عَنْ رِجَالٍ

وَتَعْفُو عَنْهُمُ وَلَكَ اقْتِدَارُ

رحم الله الفقيد الراحل وأسكنه فسيح جناته ‏وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.