منى عبدالفتاح

الأمن في مفهومه الأساسي

السبت - 11 يونيو 2016

Sat - 11 Jun 2016

ثمة إجماع على أن للتنشئة الدينية الدور الهام في تكوين شخصية الفرد، وهذا يعني أنها جزءٌ لا يتجزأ من التنشئة الأخلاقية، إذ يستمد المجتمع قيمه وثوابته الأخلاقية وقواعد تنظيم السلوك لديه من التعاليم الدينية التي تلعب دورا أكثر فعالية في الالتزام الشخصي للفرد تجاه مجتمعه الكبير والصغير أكثر من القواعد والقوانين الوضعية.

إن الوعي الأخلاقي، حسب تعريف الباحثين في علم الأخلاق هو «نوع خاص من التفكير، الذي يعتمد ليس على مقولات منفصلة، وإنما على تشكيلات فكرية متكاملة توحد في ذاته بصورة وثيقة ما بين الملاءمة والانفعالية». وبذا فإن الوعي الأخلاقي الذي يُعتبر أرقى أشكال التطور الأخلاقي للشخصية لا ينمو من عدم، إذ تتشكل عناصره على مدى جميع مراحل نمو الطفل ابتداء من سني عمره الأولى مرورا بفترة صباه ثم شبابه ورجولته وكل مراحل عمره، حيث ترتبط بعدها بدوره في تحمل المسؤولية والتي هي نابعة من مدى تحمله للمسؤولية الأخلاقية في تعامله ليس مع الناس فحسب، وإنما في احترامه مثلا للشارع العام، لنظافة مدينته، أو احترامه لإشارات المرور وغيرها من التفاصيل التي يمكن أن نفرق بها ما بين الشخص المتحضر وغيره.

وعلى الرغم من أهمية الوعي الأخلاقي باعتباره إحدى فعاليات التنشئة الأخلاقية التي بها يتحقق الأمن بشكلٍ عام، إلا أن اختزال الأخلاق في مجرد المعرفة والتلقين بالنسبة للنشء يعتبر نوعا من القصور في التنشئة نفسها، إذ يؤدي ذلك مع وجود المعرفة وتراكمها إلى تكوين أزمات أخلاقية لدى الشخص خاصة في ظل تحديات العصر ومتغيراته.

ويبين الجانب العملي في أي منظومة أخلاقية أن التربية جزء جوهري من التنشئة الإنسانية عموما حيث تعمل على ترشيد توجهات أفراد المجتمع في مختلف مناحي الحياة. والترابط بين عمليتي التربية والأخلاق واضح وضوح الشمس، فالتربية تحتوي بالضرورة على عناصر أخلاقية، والأخلاق لا تُقوم إلا بالتربية، حيث إن التربية هي مجموعة من الأفعال المنظمة التي تعتمد على القدوة الحسنة وتكريسها في مناخ المؤسسات المجتمعية ابتداء من الأسرة ثم المدرسة أو أي كيان اجتماعي آخر. فإذا اعتمدنا معنى التنشئة الأخلاقية من حيث أنها تربية وليس تعليما، فسوف نعمل على عدم الاعتماد على تلقينها فقط، وإنما ينبغي تحويلها إلى سلوك عام ومواصفات، فذلك أبقى أثرا في شخصية الفرد وأعظم من كل الخُطب والمحاضرات.

تحيط الجهود التي يبذلها الآباء في تربية الأطفال وما يقدمونه لهم من رعاية بكافة أوجهها وعطف شامل، باهتمامات الطفل وتطلعاته وهواياته مما يشكل أمرا في غاية الأهمية. ومن المهم هنا أيضا ألا تنحصر الرعاية بالضرورة في تلبية احتياجاته فقط، وإنما بالتوجيه إلى الطريق القويم. إن كل هذه الأشياء تنصب في علاقة الطفل بأبويه وعائلته فينشأ الشعور بالصداقة والمشاركة والمسؤولية.

وكما يتم تطبيق ذلك داخل الأسرة يجب تطبيقه في المدرسة بطريقة أو بأخرى، لتنشأ علاقة احترام فيما بينه وبين الأسرة المدرسية والجامعية فيما بعد.

إن الأمن الأخلاقي يتحقق عن طريق خط روحاني رفيع أكثر فعالية من أي وسائل أخرى، قد يكون هذا الخط مستترا داخل بعض منا وشخصيا في الوقت نفسه. فالمعنى الأخلاقي هنا هو اتصاف البعض بصفات روحانية قد تصل إلى درجة الصلاح أحيانا. وبهذا يسمو التعامل وتتجاوز الشخصية والمحيط الاجتماعي الضيق، ويمكن أن يتجاوز الشخص بإنسانيته وإحساسه العالي بالمسؤولية الحدود ويمكن في أعلى درجات هذا الوصف أن يصبح مواطنا عالميا محققا لأعلى درجات الالتزام الشخصي والمجتمعي. والالتزام الشخصي هذا لا يتم تكوينه من أعلى أو من الخارج ولكن يتم اكتسابه من الفرد ذاته على أساس من الخبرات الشخصية واليومية وضرورات الحياة والتطور.